للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن هذه الطائفة الحاملة لِلَقب "رجال الدين الإسلامي" هي من الأمة الإسلامية كالقلب من الجسد، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، كما ورد في التمثيل النبوي البليغ.

وإن عليهم قسطًا عظيمًا من تبعة هذا الانحطاط الشامل للشعوب الإسلامية، لأنهم فرّطوا- من قرون- في القيام بواجبات العالم الديني في الإسلام، وأول تلك الواجبات وأولاها حراسة هذا الدين أن تزيغ عقائده عن مستقرّها من القلوب فتخلفها الوثنية، وأن تختل هدايته السماوية، فتسف بها المادة إلى الحيوانية، وأن تخضع أخلاقه للشهوات فتضيع معانيها وآثارها.

إن العالم الديني في الإسلام حارس، والحارس إذا نام دخل اللص، والعالم الديني راع، والراعي إذا غفل هجم الذئب، والعالم الديني ربّان، والربّان إذا لم يأخذ الحيطة غرقت السفينة، والعالم الديني قائد كتائب فإذا عداه الضبط اختلّت الصفوف وحلّت الهزيمة.

أكبر مُناي في هذه الرحلة أن ألقى من يتيسّر لي لقاؤه من إخواني وزملائي، وأن نتبادل الرأي بأمانة الإسلام وإخلاص المسلم، في علاج هذه العلل التي خصّت المسلمين وأصبحوا فيها مضرب المثل في هذا العصر الذي أصبحت العزّة فيه دينًا يعتنق، وتنافس فيه الوثني والكتابي على سيادة الأرض، والمسلم القرآني راضٍ بالذلة والقلة والعبودية لهما أو لأحدهما، موزّع القوى، مختلف المشارب، مختلف حتى في الحق الذي لا يختلف فيه الناس، جامد العقل راكد القوى، غافل عن العواقب، مضيع لوقته بين سفاسف الأقوال وتوافه الأعمال، كأنه هيولى لم تتكيّف أو حقيقة ذهنية تجول في الذهن، لا شجرة مباركة تنبت بالدهن، حتى أصبح الجسم الإسلامي العام معرّضًا للفناء والانهيار، مستعدًّا للانحلال والذوبان، والإلحاد متربّص بالباب، والأهواء غالبة، والشهوات متبرجة، والحصانة التي جاء بها الإسلام مفقودة.

أيها المستمعون الكرام:

أنا الآن في باكستان وقد لقيت من أهلها، حكومةً وشعبًا، إجلالًا وكرم وفادة هم أهله ومحله، وقد صيّرتني أخوة الإسلام أهلًا لبعضه، فلا ينسيني الدلال بهذه الأخوة أن أحييهم تحية المسلم الصادق لإخوانه الصادقين، جزاء لما أنزلوني من منازل الكرامة والبر، وكفاء لما قابلوني به من التأهيل والترحيب، ومهرا لما تخيلته فيهم من مخايل صادقة تبشّر بأنهم أمة تُدعى إلى الحق فتجيب، وإعلانًا مني بأن ما وهب الله لهذه الأمة الباكستانية من الفطر السليمة، والاعتزاز بالإسلام، وجعل الاعتماد على الله أساسًا للأسباب، كل أولئك سيحقّق رجاءها ورجاء المسلمين فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>