للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن تحتاط لمثل هذا الأمر من بعيد، وتعالجه بالحكمة والتدريج، قبل أن يستفحل فينفجر عن فتن لا قِبَلَ للحكومة بإطفائها، أو يكون عائقًا لها عن التقدّم، أو يكون مشوّشًا للنظام، مخلًّا بالاستقرار.

...

والتدبير الموصل إلى المقصود هو أن تكوّن في أقرب وقت وزارة تسمّى "وزارة الشؤون الإسلامية"، وتحاط هذه الوزارة بنوع من التحصين يجعلها آمنة من التقلّبات الحزبية والتيارات السياسية، كما تفعل بريطانيا في بعض مصالحها التي لا تقوم إلا على الاستقرار، وهذه الوزارة متعلقة بالدين، والدين لا يتبذل ولا يتغير، ويختار لهذه الوزارة رجل يجمع بين الثقافة الدنيوية الضرورية وبين الثقافة الدينية علمًا وعملًا.

تقوم هذه الوزارة بتحقيق الأمور الآتية على الترتيب:

أوّلًا: ضبط الأوقاف الإسلامية المشتّتة بالتسجيل وكفّ الأيدي العادية عليها، وإعدادها للاستغلال العصري الصحيح الكامل حتّى تثمر وتغل فتصبح موردًا ماليًا قارًّا وعمادًا لنشر العلم والدين الصحيح، وإن ضبط الأوقاف الإسلامية القديمة وحفظها من عدوان العادين، وإرجاعها إلى ما يحقق رغبات الواقفين- كل هذا مما يحيي في المسلمين من جديد نزعة الوقف في سبيل الله وتشجيعهم عليه، فالمسلمون اليوم ما قبضوا أيديهم عن الوقف إلّا لأنّهم رأوْا بأعينهم مصير الأوقاف القديمة وضياعها وعدم صيانتها بالقوانين الصارمة، فضاعت بذلك مقاصد الواقفين، وإن حكومة باكستان إذا قامت بهذا الضبط لا تكون مبتدئة ولا مبتدعة، فهذه حكومة مصر فيها وزارة للأوقاف خصوصية وكأنّها حكومة مستقلّة لكثرة أعمالها، وهذا الأزهر الشريف نفسه قائم على الأوقاف الإسلامية بإدارته العظيمة ومنشآته وعلمائه وتلامذته الذين يعدون بعشرات الآلاف.

ثانيًا: تنظيم التعليم الديني على برنامج قوي محكم حكيم ينطوي على تمتين الأخوة الإسلامية الجامعة، وعلى التقريب بين المذاهب، وإرجاع المسلمين بالتدريج إلى الأصول المتفق عليها، فلا يمرّ عليهم جيل حتى يكون هذا التعليم الموحّد المنظم قد أثر في نفوسهم وجمع بينهم، وأزال ما بينهم من خلاف في الدين، أو أزال على الأقل آثار الخلاف بينهم، ويتضمّن هذا التعليم إعداد تلامذته ليكونوا معلّمين ووعّاظًا وأئمّة وخطباء مساجد، وتخصّص لهم جميع الوظائف الدينية حينما يحصلون على شهاداته العالية، ولذلك فيجب أن توضع لهم الدرجات وتبيّن لهم الوظائف في البرنامج ليرغبوا في هذا التعليم وينشطوا له، وتقوى آمالهم في الحياة ووثوقهم بالمستقبل، وليكن هذا التعليم في المساجد بصورة وقتية حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>