للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتمكّن الوزارة من بناء معاهد خاصة به لائقة بجلالته، وليكن الإنفاق عليه من ريع الأوقاف، فإن لم تف فتحت له الاعتمادات من الخزينة العامة، وكل درهم تنفقه الحكومة في هذا السبيل يعود عليها بالربح الجزيل.

ثالثًا: تنظيم الحالة في المساجد القديمة، وإزالة هذه الفوضى الضارلة فيها، ولا يتم ذلك إلّا بوضع نظام شامل للأئمة والخطباء والمؤذنين والقوَمة، وتحسين حالتهم المادية إلى أقصى حدّ، ومراقبتهم برجال أعلى منهم قدرًا في العلم والتديّن ليشعروا أن الرقابة عليهم منهم، وأنها نافذة، فيخضعوا إلى النظام، ولا ينفروا من المنظّم، فإذا تمّ هذا في المساجد القديمة التي هي وقف عام، حمل أصحاب المساجد الخاصة على الدخول في النظام العام الموحّد إن لم يرجعوا من تلقاء أنفسهم، وإن ضعفاء الإيمان والعلم تحتّم عليهم أسباب الحياة أن يجعلوا من بيوت الله وسائل للمعيشة، فتفقد روحانيتها وتصبح متاجر لا معابد، ومفرقة على الهوى لا جامعة على الحق، وفي هذا خطر على تربية الأمة ستظهر آثاره بعد حين، فئتحرص هذه الوزارة على معالجته بالحكمة ومعها القوة، وبالمطاولة ومعها الحزم.

رابعًا: تنظيم أحوال علماء الدين وتقريبهم من هذه الوزارة وجمعهم من حولها، وإفهامهم أنها وزارتهم الطبيعية يتصلون بها اتّصال الجندي بوزارة الحربية، والمعلم بوزارة المعارف، وأنها المرجع الوحيد لمصالحهم، ثم تعمل الوزارة على تكليفهم بوظائف دينية علمية من إمامة وخطابة ووعظ، وتلزمهم بالمحافظة على برنامج عام تضعه الوزارة ويكون لأهل الرأي منهم فيه رأي استشاريّ حتى لا يتشتت الرأي، وتختار الوزارة الأكفاء منهم للعضوية في مجلسها الإداري تدريبًا لهم على الأعمال العامة، ويجب على الوزارة أن تهتمّ بتحسين أحوالهم المادية قبل كل شيء، فإن لهذه الطائفة نفوذًا قويًا على العامة، فإذا تُرِكوا على هذه الحالة من الفوضى والإهمال وعدم ضمان الحياة المعيشية- فربّما يصبحون في وقت من الأوقات مصدر خطر على الدولة، وسببًا في الاضطراب والفتنة، وفارغ البال من الخير يعمره الشيطان بالشر، وهذه سنّة الله في الطباع البشرية، أما إذا كلفوا بالوظائف، وضمِن لهم الرزق، فإنهم يشعرون بالعزة والمسؤولية معًا، ويشعرون بأنهم جزء من الحكومة، وبأن لهم شركة في هيكلها الأساسي، وأن لهم مكانة في الدولة ورأيًا في تسييرها، وأن لهم حظًا في الحياة يجب أن يحافظوا عليه، وأن عليهم واجبات للدولة والأمة يجب أن يقوموا بها. إن أوّل فائدة لهذه الطريقة هي تعويدهم على العمل النافع وعلى النظام في العمل، وعلى تقديس النظام واحترامه، وإخراجهم من الكسل والجمود والفراغ، ويومئذ يعاونون الحكومة بنفوذهم الديني على إقرار النظام، وعلى إنشاء الدستور المنتظر المستمدّ من دين الأمّة ومن دنياها.

أما إذا وفّقت هذه الوزارة إلى وضع "كادر" للدرجات والترقيات للأكفاء من علماء الدين يتسابقون إليها بالأعمال النافعة، فإنها تعجل بالخير لها وللأمة، لأنهم يعلمون حينئذ

<<  <  ج: ص:  >  >>