للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحييكم باسم الشمال الأفريقي، تلك الأقطار التي جمعتها يد الله وأنبتت فيها النبات الحسن من السلائل البشرية حتى ختمتها بالجنس العربي وأورثته إياها، كما ختمت الرسالات السماوية برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، تلك الأقطار التي نظمها عُقبة وصحبه في ممالك الإسلام جواهر، وغرسوها في منابته أزاهر، ومكنوا فيها للبيان العربي حتى رست قواعده في الأرض وعلت شرفاته في السماء.

أحييكم عن الشمال الأفريقي من مخارم الأطلس الأشمّ بالسوس إلى منقطعاته على عتبات برقة، لا مفتاتا على إخواني الحاضرين في هذا المؤتمر من أبنائه، ولكن من آثار النبؤة فينا أننا قوم يسعى بذمتنا أدنانا، وأنا لسانُهم المعبّر عن أمانيهم فيكم، والمخبر عن مآسيهم لكم.

أيها الإخوان: إن هذا المؤتمر يحمل اسمًا عظيمًا ينطوي على معنى أعظم، فمعناه عند التحليل والشرح هذه الأربعمائة مليون المتفرقة كالحصى في قرارات أودية الحياة، فهذا هو المعنى الذي عناه الواضع لهذا الاسم.

ولكن هذا الاسم يثير فينا وفي كلّ مهتمّ حركة فكرية تستجمع أطراف هذا الاسم وحواشيه من ماضيه القوي العزيز إلى حاضره الضعيف الذليل، وفي كل حاشية من حاشيتيه وقفة وعبرات وعبر، وجملة من مبتدإ وخبر.

فهذا الاسم في ماضيه كان قليلًا، وكان عزيزًا لا ذليلًا.

أيها الإخوان: إن أكبر آية على أن هذا الشمال شيء واحد وكلٌّ طبيعي هو أن المغيرين من قديم الزمان كانوا يقصدونه كلًا: فكل مغير استولى على بعض أجزائه إلّا ورمى ببصره إلى الأجزاء الأخرى وعمل على ضمّها إلى بعضها لأنها مكمّلة لبعضها.

أيها الإخوان: أنا رسول العروبة والإسلام بالشمال الأفريقي إلى العروبة والإسلام المتمثلين في هذا المؤتمر، أناجيكم بأمانيه وأبثّكم بعض ما هو فيه، وأشكو إليكم- فأشكو إلى السميع الواعي- ما يلقاه من عنت الظالم وبغي المستعمِر، فإن لم تدركوه بنصرة الأخ ونجدة النصير وغوث الحامي، ضاع على الإسلام حصن من أمنع حصونه وعلى العروبة جزء من أهم أجزائها.

إننا ندافع دفاع المستميت حتى يدرك الغوث، ونصابر مصابرة الغريق حتى تتأتى وسائل النجدة، ولكم علينا أن نبقى كذلك محافظين على الثغر المطروق بالغارة مثبتين لأهله. ولنا عليكم أن تبادروا بتعبئة القوى، وإن أول بوارق الرجاء فيكم وبوادر النجدة منكم طلائع هذا المؤتمر الجامع لقوى الإسلام.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>