للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيها الإخوان:

إن الإسلام ما زال في أوروبا المسيحية في حرب صليبية لم تنطفئ نارها، وإنما غطى عليها رماد المدنية والعلم اللذين غزوا بهما عقولنا، وسحروا بهما عيوننا، وخدروا بهما مشاعرنا، تحيلًا ومكرًا ليصرفونا عن الاستعداد، وما هذه المدنية وهذا العلم إلّا سلاح جديد أفتك من سلاح الحديد: فإن سلاح الحديد يقتل الأجساد فينقل الأرواح إلى مقام الشهادة، أما هذا السلاح فإنه يقتل الأرواح ويجرّدها من أسباب السعادة.

أيها الإخوان:

إن العالم في اضطراب، لأن أهله في احتراب، وقد جرب المناهج والأدوية وتداوى بكل ما يخطر على البال، وتداوى بالمال وسحره فلم يشف من مسّه، واسترقى بجميع الرقى، فلم يبرأ من لمحه، وعالجه بالدواء الأحمر، فكان الداء الأصفر.

ويمينًا برة لا حنث فيها ولا تأول، لو أن الإسلام فهم على حقيقته، وطبّق على وجهه الذي جاء به من عند الله محمد بن عبد الله لكان هو الدواء النافع الذي يحل العقد ويرفع الإشكال، ولكان هو الحكم في معترك الخلاف، والجالب بقوانينه وأخلاقه لسعادة العالم.

ولكن الإسلام جمد فذهبت خواصه، وتفرّقت مذاهبه فزهقت روحه وذهبت ريحه.

والذنب في ذلك كله في عنق علمائه: تعصّبوا للمذاهب المفرقة فبعدوا عن المذهب الجامع وهو كتاب الله وهدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وفهموا الدين قشورًا وصدفوا عن اللباب، وتركوا قيادة الأمّة فأضاعوا الأمانة، وصرفوا الأمة بتعليمهم عن معاني الدين الجليلة، فأصاروها إلى الألفاظ، فهي تسبح منذ قرون في بحر من الألفاظ لا ساحل له، وإن الناظر في كتب المذاهب الإسلامية من الفقه والكلام يجد مجموعة يقصر ... ...

<<  <  ج: ص:  >  >>