للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمة أقوم على الحق وأهدى به من أول هذه الأمة، ولم تشهد منذ دحدحها الله مجموعة من بني آدم اتّحدت سرائرها وظواهرها على الخير مثل أول هذه الأمة، ولم تشهد منذ دحدحها الله قومًا بدأوا في إقامة قانون العدل بأنفسهم. وفي إقامة شرعة الإحسان بغيرهم مثل أول هذه الأمة، ولم تشهد منذ أنزل الله إليها آدم وعمرها بذريته مثالًا صحيحًا للإنسانية الكاملة حتى شهدته في أول هذه الأمة. ولم تشهد أمّة وحّدت الله فاتّحدت قواها على الخير قبل هذه الطبقة الأولى من هذه الأمة.

هذه شهادة الأرض تؤدّيها صامتة فيكون صمتها أبلغ في الدلالة من نطق جميع الناطقين ثم يشرحها الواقع ويفسّرها العيان الذي لم تحجبه بضعة عشر قرنًا. بل إن هذه الأمة استقامت في مراحلها الأولى على هدي القرآن وعلى هدي من أنزل على قلبه فبيّنه بالأمانة، وبلغه بالأمانة وحكم به بالأمانة وحكمه في النفوس بالأمانة وعلم وزكى بالأمانة ونصبه ميزانًا بين أهواء النفوس وفرقانًا بين الحق والباطل، وحدًا لطغيان الغرائز وسدًا بين الوحدانية والشرك. فكان أول هذه الأمة يحكمونه في أنفسهم ويقفون عند حدوده ويزنون به حتى الخواطر والاختلاجات، ويردون إليه كل ما يختلف فيه الرأي أو يشذ فيه الفكر، أو يزيغ فيه العقل، أو تجمح فيه الغريزة، أو يطغى فيه مطغى النفس.

فالذي صلح به أول هذه الأمة، حتى أصبح سلفًا صالحًا، هو هذا القرآن الذي وصفه منزله بأنه إمام وأنه موعظة، وأنه نور وأنه بيّنات، وأنه برهان وأنه بيان، وأنه هُدًى، وأنه فرقان، وأنه رحمة، وأنه شفاء لما في الصدور، وأنه يهدي للتي هي أقوم، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وأنه قول فصل، وما هو بالهزل.

ووصفه من أنزل على قلبه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، بأنه لا يخلق جديده ولا يبلى على الترداد ولا تنقضي عجائبه، وبأن فيه نبأ من قبلنا وحكم ما بعدنا، ثم هو بعد حجة لنا أوعلينا.

القرآن هو الذي أصلح النفوس التي انحرفت عن صراط الفطرة وحرّر العقول من ربقة التقاليد السخيفة وفتح أمامها ميادين التأمّل والتعقّل ثم زكّى النفوس بالعلم والأعمال الصالحة وزيّنها بالفضائل والآداب، والقرآن هو الذي أصلح بالتوحيد ما أفسدته الوثنية، وداوى بالوحدة ما جرحته الفرقة واجترحته العصبية، وسوّى بين الناس في العدل والإحسان فلا فضل لعربي- إلا بالتقوى- على عجمي، ولا لملك على سوقة إلا في المعروف، ولا لطبقة من الناس فضل مقرّر على طبقة أخرى.

والقرآن هو الذي حل المشكلة الكبرى التي يتخبّط فيها العالم اليوم ولا يجد لها حل، وهي مشكلة الغنى والفقر، فحدّد الفقر كما تحدد الحقائق العلمية، وحث على العمل كما

<<  <  ج: ص:  >  >>