للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أليست هذه الوطنيات الضيّقة هي التي أضعفت الحمية الإسلامية حتى قتلتها في النفوس، أليست هذه الوطنيات الضيّقة بمثابة تقسيم الخبزة إلى لقم يسهل مضغها وازدرادها وهضمها؟

والذي روحي بيده لو كان العرب أمّة واحدة لما ضاعت فلسطين.

والذي روحي بيده لا تقوم لنا قائمة حتّى نرجع إلى الوطنية الكبيرة الجامعة الواسعة اللامعة النافعة وهي وطنية الإسلام.

...

أيها الإخوان:

إن السبب الأكبر لرحلتي هذه بعد الدراسة والتعارف هو السعي في إحياء الجامعة الإسلامية التي هي خير ما يجتمع عليه الشرق وأممه وملله.

وقد كان الاتصال بيننا قريبًا من المحال، لأنّنا تناكرنا وماتت ملكة التعاطف والتعارف في نفوسنا من قرون، فلمّا فتحنا آذاننا على رجّة الأحداث، وفتحنا أبصارنا على أشلائنا الممزقة، وفتحنا بصائرنا على بُعدنا من الدين وهدايته، وتخبّطنا في ظلام مما كسبت أيدينا، وحاولنا صلة رحم الإسلام ووصل أجزاء الشرق، جَعَلَ الاستعمار بيننا ردمًا، وأوسع معالم الاتصال بين الشرقي والغربي منا رغمًا، وضرب بيننا بسور ليس له باب.

وقد كانت الخواطر تمثل لي هذا الاتصال فتبعث في جوانب نفسي بهجةً وسرورًا، فكيف لا أبتهج وقد أصبح حقيقة واقعة، وإنّني أعتبر رحلتي هذه فتحًا لباب، وعنوانًا لكتاب، ومقدّمة لنتائج، وإذا رجعنا إلى الفال نستفتح به أقفال الغيب، ونسِمُ به إغفال المستقبل رأينا أن صبيب المزن مبدؤه قطرة، وأن عصف الريح مبدؤه نسمة، وأن صادق الوحي أوّله رؤيا منام، ثم بعد تلك البدايات ينهمر الغيث وتعصف الأعاصير ويتواتر الوحي.

...

أيها الإخوان:

هذه الحركات المرجوّة تحتاج إلى قائد من طراز علوي سماوي الروح، وهذه الحركات المرجوّة مفتقرة إلى حكومة تحتضن وتحمي الحريّة، وإلى وطن- ولو ضيّق الأرجاء- يؤوي وينفق.

لا نصدق بعد اليوم الأمثال فينا، ولا نثق بزخرفة القادة الملحدين، فمحال أن يقودنا إلى الجنّة مَن هو مِن أهل النار، وهيهات أن يقودنا إلى الحريّة مَن هو عبد شهواته، ومحال على كرامتنا أن نبقى بعد اليوم كمونًا يسقيه وعد، وإبلًا يوردها سعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>