للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما كنا رأيًا في تأييد الحق، وأثبت ما كنا عزيمةً في الدفاع عن الحق. إنّ الهمم لا تشيب وإن العزائم لا تهرم، وليس هذا البياض غبار وقائع الدهر كما يقول الشاعر، وإنما هو غبار الوقائع مع الدهر، فلا تهنوا ولا تفشلوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين.

...

أيها الإخوان: إنّي أتوسّمُ في هذه الوجوه وأتلمّحُ ما وراءها من علم ومكارم، لا أقول فيهما بالتقليد ولكنني خبرت وبلوت فاجد مصداق الحديث، هذه مكّة رمت إليكم بأفلاذ كبدها، بل أقول هذا الحجاز رمى إليكم بأفلاذ كبده، ومَن غير أستاذنا الجليل محمد نصيف يستطيع أن يجمع العالم في دار، أو يدّخر كنزًا ثمينًا تحت جدار، ومن عجب أن القضيتين متعاندتان: فالذي يستطيع أن يجمع عالمًا في دار لا يستطيع أن يجمع كنزًا تحت جدار، وما دامت الموائد تُنصب، واللقم ترفع، والصحون تُجرّ، والأفواه تفتح وتضم، والطعام كرات، والملاعق مخاريق بأيدي لاعبينا، فإن حال أستاذنا معنا حال أبي دلامة من شيوخ بني تميم إذ يقول:

نحن شيوخ بني تميم ... وأنت- يا أستاذنا- أبو دلامة، فاجهد جهدك، وان شيوخ بني تميم موفون بعهدهم فاوفِ بعهدك، وإن هذه الدار مهدنا فإنْ برمت أو ضجرت فاجعل غيرها مهدك. وإن دار الشيخ نصيف لم تبرم بنا ولم تضجر، فأعانك الله على هذا الجند أيها الشيخ الحصيف الكريم.

أيها الإخوان: إذا ما لم ينصف الحجاز شيخه ومخلد مجده ورافع رايته أستاذنا الشيخ نصيفا، فإن العالم الإسلامي كله ينصفه، فكلنا أَئسِنة شاهدة بأنّه مجموعة فضائل نعدّ منها ولا نعدّدها، وانه مجمع يلتقي عنده علماء الإسلام وقادته وزعماؤه فيردون ظماء ويصدرون رواء، وإنني أقولها بصيحة صريحة وأؤدّيها شهادة للحق والتاريخ بأنّه محيي السنّة في الحجاز من يوم كان علماؤه- ومنهم أشياخنا- متهورين في الضلالة، وأنه صنع للسلفية وإحياء آثارها ما تعجز عنه الجمعيات بل والحكومات، وانه أنفق عمره وماله في نصرها ونشرها، في هدوء المخلصين وسكون الحكماء، وسيسجّل التاريخ العادل آثاره في عقول المسلمين، وسيشكر له الله غزوه للبدع بجيوش السنن المتمثلة في كتبها وعلوم أئمتها، وجمعية العلماء نفسُها مَدِينة له، فإن الكتب السلفية لم تصلنا إلا عن يده، وسيسجّل أنه مفخرة من مفاخر الإسلام وأنه كفّارة عن تقصير العلماء، وانه زهرة فوّاحة في أرض الحجاز وأنه جماله الذي يغطّي كل شين. إني كنتُ قلت في الشيخ نصيف أبياتًا منها:

قُئ لِلَّذِي عَابَ ائحِجَا ... زَ وَجَانَبَ ائمَثَلَ ائحَصِيفَا

هَيْهَاتَ لَسْتَ بِبَالِغِ ... مُدَّ ائحِجَازَ وَلَا "نَصِيفَا"

<<  <  ج: ص:  >  >>