للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصدق لسقط تسعة أعشار هذه اللغة الرائجة في المقابلات والتحايا والتمادح، ولسقط مثلها من قاموس التواضع الزائف مثل العبد الضعيف، العاجز، الفاني.

فإذا لم نُئغِ هذا العامل فالأستاذ الفضيل الورتلاني الذي يحتفي به إخوانه وعارفو فضله من أهل العلم والأدب والوجاهة والقلم واللسان- هو ولدي روحيًا وتلميذي فكريًا، وهو ثمرة طيبة من بواكير الحركة الإصلاحية العلمية التي أنا أحد المحركين لها والغارسين لبذورها، زكاه الله صبيًا ويافعًا وشابًا وآتاه من المواهب في الصغر ما شارك به أساتذته في وضع الأساس لهذه الحركة المباركة، بحيث لم يزيدوا عليه فيها- وأنا أحدهم- إلّا بالسنّ، فإذا أطريته الليلة تمشيًا مع أدب التكريم أكون قد مدحت نفسي وانحرفت عن الأدب العرفي.

لكلٍّ من الإخوان الحاضرين علاقة بالأستاذ الفضيل هي التي حركته لحضور الحفلة، وهي التي تُملي عليه إذا تكلّم فيها معلنًا أو ناجَى مخافتًا، ولكن علاقتي به تزيد على ذلك كله: هي علاقة الوالد بالولد، وهو لِوَفائه وانصافه يفخر بها، وأنا به أشد فخرًا وأكثر مباهاة وأكثر اعتزازًا.

ونحن- بفضل الله وتوفيقه- قد بنينا حركتنا من أوّل يوم على قواعد، منها القصد في الآداب المرعية بين التلاميذ وشيوخهم، لأن القصد أقرب إلى الصدق حتّى كأنه مقلوبه كما يقول علماء البديع، ومنها تفصيل الاحترام الظاهري على مقدار ما تكنّه النفس من معانيه وأسبابه، ومنها تنزيل الاحترام والتقدير على الأعمال لا على المرتبة ولا على السنّ، ومنها تسمية الأشياء بأسمائها من غير محاباة ولا إجحاف، ومنها اعتبار الوقت رأس مال فهو أجلّ من أن ينفق إلّا في المفيد.

...

أما العامل الثاني وهو عامل الحقيقة والواقع فهو المقدم عندي وعند جميع العقلاء في الاعتبار، ولذلك فأنا أقتحم الموضوع من غير استئذان للأدب العرفي ولا توقف عليه، وأقول في ولدي وتلميذي وخالصتي الأستاذ الفضيل الورتلاني ما يقوله الوالد العاقل الحساس في ولده البرّ، وما يقوله الشريك الأمين في شريكه الأمين، وما يقوله الزميل الشريف في زميله الشريف، وأقول فيه في المشهد ما أقوله في المغيب، ولا أقول- إن شاء الله- إلّا حقًا.

أقول: إنه رجل أي رجل، أو إنه الرجل كل الرجل، بالمعنى الذي تعرفه العرب من هذين التركيبين القصيرين الجاريين مجرى لغة البرقيات في زمننا، تجمع ضيق اللفظ واتساع الدلالة، ولعلّ من الإحسان إلى الإخوان الذين عرفوا الورتلاني في الشرق وهو في أواخر

<<  <  ج: ص:  >  >>