للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أيها الضيوف الأعزة، أيها المقتبلون الكرام:

يَعِزُّ عليّ- والله- أن أنادي منكم اثنين، وإنما أنتم واحد، ولكن غَلبتْ عليّ النزعة العربية في إجلال الضيف، وإكرام مثواه، ومضاحكته قبل إنزال رحله، واعتبارِه عالَمًا مستقلًّا في مدة الضيافة، فناديتُ الضيفَ وحدَه لآخذَ بحظّي من البرّ به. وناديتُ أبا المَثْوَى وحدَه لأساهمه في أداء واجب الضيافة ولو بالحديث، والحديث من القِرى في مذهب العرب، وها أناذا أعود فأخاطبكم بالوصف الجامع:

أيها الإخوة:

إن أضعف سلاح رمانا به الاستعمار جمعيًا هو هذا السلاح المادي من الحديد والنار، وأن أمضى سلاح قاتلنا به فقَتَلَنا لَهو التضريب بين صفوفنا حتى أصبح بعضنا لبعض عدوًّا، والتخريب لضمائرنا حتى أصبحتْ خيانة الدين والوطن بيننا مَحْمَدةً نتمادح بها، والتمزيق لجامعتنا حتى أصبحنا أممًا متنابذة، والتوهينُ لقوانا المعنوية حتى أصبحنا كالتماثيل الخشبية لا ترهب ولا تخيف، والاستئثارُ بقُوَّاتنا المادية حتى أصبحنا عالةً عليه، والتعقيمُ لعقولنا وأفكارنا حتى أصبحنا نتنازل عن عقلنا لعقله وإنْ كان مأفونًا، وعن فكرنا لفكره وإنْ كان مجنونًا، وتلقيحُ فضائلنا برذائله حتى انحطتْ فينا القِيَمُ الإنسانية وبُخِست موازين الفضيلة، وترويضُنا على المهانة حتى أصبحنا نهزأ بماضينا افتتانًا بحاضره، ونحتقر لسانَنا احترامًا للسانه.

هذا الاستعمار لعقولنا وأفكارنا هو أخطر أنواع الاستعمار علينا، وهو الذي مهّد للطامة الكبرى التي هي مأْرَب الاستعمار، وهي هذه الوطنيات الضيّقة المحدودة التي زّينها لنا وحبّبها إلينا، ولو كانت خيرًا لَسَبقَنا هو إليها في أممه وأوطانه، ولكنه يتكتَّلُ ليقْوَى في نفسه، ويفرّقُنا لنضعفَ زيادةً في قوّته.

أليس من العار أن يكون للعرب عشْر وطنيات؟ أليست هذه الوطنيات الضيّقة بمثابة تقسيم الخبزة الواحدة إلى لُقَم، ليسهلَ ازدِرادُها لقمةً لقمة؟ أما والله لو كان العرب أمّة واحدة لما ضاعت فلسطين، ولما حلّت بالأقطار العربية هذه النكبات المتوالية.

أيْ أبناء العمومة: إن الجزائر والشمال الأفريقي كله فَئذَة من كبد الإسلام، وقطعة من وطن العروبة الكبير، وبقيّة مما فتح عقبة والمهاجر وحسّان، وإن هذا الوطن هو أحد أجنحتكم التي تطيرون بها إلى العلا، وإنّه متصل بكم اتصال الكف بالساعد، تصلون إليه مشْيًا، ويصل إليكم حبْوًا، فَريشوا هذا الجناحَ المهيض حتى تقوى قوادمه، وصونوا حماه فإنه حماكم، وذودوا عن عِرضه فإنه عرضكم.

إن هذا الوطن امتداد لوطنكم الأكبر، وإنه يحمل أمانة الأجداد التي تحملونها، فأعينوه على التحرير، وأنقِذوه من سوء المصير.

<<  <  ج: ص:  >  >>