للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حسبك شرفًا- يا صبا- أن التقى الناس فيك على وصف، وإن اختلفت بهم المنازع: جهل الجاهلون آثارك فقالوا: ما أسراك! وكل ريح سارية، وعرف العارفون فضلك وكرمك فقالوا: ما أسراك! وما كل شجرة وارية، وبين السُّرى والسرو مفاوز هي مسافة ما بين الحسن الكثيف والحسّ الشفّاف.

سِر- يا صبا- طاب مسراك، وصفا مجراك، في جو ضاحك الصفحة، وفضاء سافر الغرّة، لا جبلا نعمان يعترضان مهبّك، ولا عواصف الدبور تعارض مدبّك، فإذا لاحت لك بواذخ الأطلس فاسلك منها ما سلك بنو هلال، فرقة عن اليمين وفرقة عن الشمال، وخذ من آثارهم بما يُجدي، فكلاكما نجدي، وستقع في شمالك على الخؤولة، وفي يمينك على العمومة، فابثُثْ أسرارك، وانثُثْ أخبارك، فهنالك محطة الهوى والشوق.

أدِّ التحية عني للجزائر التي غذت وربّت، وأنبتت القوادم في الجناح، وأسلفت الأيادي البيضاء، وأسدت العوارف الغر، وأشربت من الطفولة حب العروبة والإسلام، وأخذت باليد إلى رياضهما، ففتقت اللسان على أشرف لغة وسِعت وحي الله ووحي العقول، وفتحت القلب لأكمل دين جمع الروح والمادة، ثم أورثت- فيما أورثت من مآثر العرب وفضائل الإسلام- أنفًا حميًّا، وفؤادًا ذكيًّا، ولسانًا جريئًا، وهمة بعيدة، وإباءً للمشارب الكدرة، وقناةً لا تلين إلا للحق، وذيادًا عن حُرمات الحِمى والدين، ونفسًا لو تراءت لها زخارف الدنيا من وراء الدنايا ما خاضتها إليها، وروحانيةً أحدُ طرفيها في الأرض، والآخر في السماء تأمر في ذلك كله وتنهى.

ثم عمّم التحية إلى كل من تديّر الجزائر من إخوان الصدق، وأحلاف الحق: من علماء جلاهم الإسلام سيوفًا، وبراهم سهامًا، وقوّمهم رماحًا، ثم وحّدتهم العقيدة على غاية، وجمعهم الحق على بساط، وألف بينهم الجهاد في ميدان، فاجتمعت قلوبهم على هداية بها وألسنتهم على دعاية إليها، وأيديهم على بناء لها. ومن أنصار كانوا للدعوة السلفية الإصلاحية خزرجها وأوسها، وكانوا للنهضة الجزائرية عمادها وأُسَّها، وكانوا الأحجار الأولى لبناء الجزائر الجديد، والكتائب المبكّرة لإحياء مجد العرب بعز الإسلام.

ومن شبّان ربيناهم للجزائر أشبالًا، ووتّرناهم لعدوّها قسيًّا ونبالًا، وصوّرنا منهم نماذج للجيل الزاحف، بالمصاحف، وعلّمناهم كيف يُحيون الجزائر، وكيف يَحيَون فيها.

...

قُل للجزائر الحبيبة هل يخطر ببالك من لم تغيبي قط عن باله؟ وهل طاف بك طائف السلو، وشغلك مانع الجمع وموجب الخلو، عن مشغول بهواك، عن سواك؟ إنه يعتقد أن في

<<  <  ج: ص:  >  >>