للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لهذا الذي شرحناه ضاقت الحكومة ذرعًا بالمودودي وتشدّده، وصلابته، وصراحة آرائه، وتسرّعه (في نظرها) فكانت تحبسه كلما ظهرت آراؤه المؤثرة، أو فتاواه في الحوادث الخاصة، وتنظر إليه بعين الحذر دائمًا، وقد نسبت إليه فتوى في قضية كشمير أيام اشتدادها والاصطدام المسلّح فيها، ووصفت بأنها سلاح في يد العدو، ومَدَد للدعاية الهندوسية، وقد كنتُ كثير الاهتمام بهذه الفتوى، شديد الحرص على أن أطّلع على حقيقتها، لأنها حكيت لي على وجه لو صحّ لكنت أول المخالفين لها، وقد ألقيت السؤال عنها في مجلس الأستاذ في داره، ولكن السؤال ضاع في معمعة المواضيع التي كان الحديث يتشقق عنها. ثم أنستني أحاديث المجلس إعادة السؤال، ولم تزل في نفسي حزة من فوات تلك الفرصة، ولا أدري هل تعود. وكل ذلك الحرص مني لآخذ الحقيقة من مصدرها ولأتباحث مع الأستاذ فيما يُنتقد عليه إن كانت حقًّا.

ومع احتفاظنا برأينا في الخلاف بين المودودي وبين الحكومة في إقامة حكومة على أساس دستور إسلامي، فإننا نقول كلمة صريحة لوجه الحق وهي أن المودودي وحده أقدر رجل على وضع الدستور الإسلامي المنشود لدولة باكستان، وأبرعُ عالم في انتزاع ذلك الدستور من القرآن والحديث، ومن المقاصد العامّة في التشريع الإسلامي والأصول المتّفق عليها بين الأمة، وأنا مع هذا مؤمن بأن العقبة الكأداء في طريق المودودي ودستوره ليست هي الحكومة وحدها بل العقبة التي تنبهر فيها الأنفاس هي جمود فقهاء المذاهب، وما أكثر المذاهب في باكستان! ...

...

وفي الأشهر الأخيرة حدثت اضطرابات في باكستان، وسالت دماء، وأمسكت كثير من الجرائد العربية عن شرحها، فلم نتبيّن دواعيها بالتفصيل ولا أغراضها، وأغلبُ الظن أنها تدور على "إسلامية الحكومة". ولعلّ الحكومة رأت آثار المودودي وأصحابه فيها بارزة فسجنته وسجنت كثيرًا منهم، ثم أحالته على محكمة عسكرية عقدت بمدينة لاهور فحكمت عليه بالإعدام وجاءت الأخبار بأنها خففت حكم الإعدام بالسجن أربعة عشر عامًا، فاهتزّ المسلمون بباكستان لهذا الحكم القاسي بنوعيه الثقيل والخفيف، وانصبّ على الحكومة تيّار من الاحتجاج والتظاهر بالغضب، ولا نشك أن تخفيف الحكم أثر من آثار تلك الغضبة.

ثم قامت الهيئات الإسلامية القوية بالاحتجاج والاستنكار من مصر وسوريا والعراق والكويت، وتأكّدت عندي الأخبار وأنا بالكويت فامتعضت- علم الله- لذلك وحزنت لما بيني وبين الرجل من صلات ولما بينه وبين جمعية العلماء من تقدير. ولأن الرجل ليس رجل

<<  <  ج: ص:  >  >>