مبينة، ومن أمامها جماعات تحسن الإصغاء، وتستجيب للدعاء، ومن وراء الجميع عون من الله يحيل الضعف قوة، وعناية منه تنير الطريق، ومدد من توفيقه يأخذ باليد إلى الحقيقة، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
...
الدعوة إلى الله وظيفة أهل الحق من أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهي أثمن ميراث ورثوه عنه، وهي أدقّ ميزان يوزن به هؤلاء الورثة ليتبين الأصيل من الدخيل، فإذا قصر أهل الحق في الدعوة إليه ضاع الدين، وإذا لم يحموا سننه غمرتها البدع، وإذا لم يجلوا محاسنه علتها الشوائب فغطّتها، وإذا لم يتعاهدوا عقائده بالتصحيح داخلها الشك، ثم دخلها الشرك، وإذا لم يصونوا أخلاقهم بالمحافظة والتربية أصابها الوهن والتحلّل، وكل ذلك لا يقوم ولا يستقيم إلا بقيام الدعوة واستمرارها واستقامتها على الطريقة التي كان عليها محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الهداة من العلم، والبصيرة في العلم، والبيّنة من العلم والحكمة في الدعوة، والإخلاص في العمل، وتحكيم القرآن في ذلك كله.
ولا يظنن ظان أن الدعوة إلى الله ختمت بالقرآن، وأنه أغنى عنها فقطع أسبابها، وسدّ أبوابها، بل الحقيقة عكس ذلك فالقرآن هو الذي وصل الأسباب، وفتح الأبواب، وجعل الدعوة سنّة متوارثة في الأعقاب، وما دامت عوارض الاجتماع البشري وأطوار العقل الإنساني تدني الناس من القرآن إلى حد تحكيمه في الخواطر والهواجس وتبعدهم منه إلى درجة الكفر به - فالقرآن ذاته محتاج إلى دعوة الناس إليه- بل الدعوة إليه هي أصل دعوات الحق، ولم يمر على المسلمين زمن كانوا أبعد فيه عن القرآن كهذا الزمن، فلذلك وجب على كل من امتحن الله قلبه للتقوى، وآتاه هداه أن يصرف قوّته كلها في دعوة المسلمين إلى القرآن ليقيموه ويحقّقوا حكمة الله في تنزيله، ويحكموه في أهواء النفوس ومنازع العقول، ويسيروا بهديه وعلى نوره فإنه لا يهديهم إلا إلى الخير ولا يقودهم إلا إلى السعادة.
...
الحق والباطل في صراع، منذ ركّب الله الطباع، وإنما يظهر الحق على الباطل حين يحسن أهله الدعوة إليه على بصيرة، والدفاع عنه بقوة وقد قام الإسلام على الدعوة، فقوّته- يوم كان قويًا- آتية من قوة الدعوة، وضعفه- يوم أصبح ضعيفًا- آت من ضعف الدعوة.
وقد حييت الدعوة إلى القرآن في زمننا هذا على صورة لم يشهد تاريخ الإسلام لها مثيلًا بعد الصدر الأول وقرونه الفاضلة، وارتفعت الأصوات بها في جوانب العالم الإسلامي، متعددة النواحي متّحدة الغايات والمناحي، فمن دعوة إلى عقائد القرآن وعدم الحيدة عنها في توحيد الله، وتنزيهه وتصحيح المعاملة معه، وتجديد الصلة به، ومن دعوة إلى إحياء آدابه في