للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفوس، ومن دعوة إلى إحياء أحكامه وجعلها أصولًا للقوانين الدنيوية، ومن دعوة إلى درس حقائقه العليا وآياته في الأنفس والآفاق، ومن دعوة إلى الاهتداء بإرشاده إلى أسرار الكون التي كشفت عنها العلوم التجريبية في عصرنا هذا، وغفل عنها المسلمون ففاز باكتشافها واستثمارها غيرهم، وستفضي هذه الدعوة المتجددة إلى ما أفضى إليه أصلها من خير وعزّ وقوة وسيادة، وإذا جرت الأخيرة على سنن الأولى في الجد والقوة والحزم فستكون مثلها في سرعة ظهور الآثار وقرب الجني من أيدي القاطفين.

لا نقص في هذه الدعوات إلا أنها لم تزل متفرقة المسالك، متباعدة المواطن، فعلى قادة هذه الحركات أن يوحّدوا الأعمال والوسائل، وأن يجمعوا هذه القوى المتفرقة لتكون أقوى، ويوحّدوا القيادة العامة ليكون ذلك أدعى لرهبة الخصوم المتألبين، وأجمع لشمل الأتباع والجنود، وإذا كنّا نرى أصحاب الباطل يجتمعون على باطلهم ليدحضوا به الحق، فكيف لا يجتمع أهل الحق على حقّهم؟ ومن طبيعة الحق أن يجمع الناس على أنفسهم، وعلى أولئك القادة أن يبنوا أمرهم على العلم الصحيح والتربية الرشيدة، وعليهم أن يبدأوا بإنشاء جيل قويم يبنونه على التربية الإسلامية القويمة ليكون أساسًا لمن بعده، وأن يغرسوا فيه العقائد والأخلاق القرآنية من الصغر، وأن يروّضوه على الصبر والعفة والجد مع طراوة العود، وأن يوجّهوه الوجهة السديدة في الدين والحياة، ويرشّحوه للعظائم حتى ينشأ مستعدًا لها مستخفًّا بأثقالها.

إن شيوع ضلالات العقائد وبدع العبادات والخلاف في الدين هو الذي جرّ على المسلمين هذا التحلّل من الدين، وهذا البعد عن أصليه الأصليين، وهو الذي جرّدهم من مزاياه وأخلاقه حتى وصلوا إلى ما نراه.

وتلك الخلال من إقرار البدع والضلالات هي التي مهّدت السبيل لدخول الإلحاد على النفوس، وهيّأت النفوس لقبول الإلحاد، ومحال أن ينفذ الإلحاد إلى النفوس المؤمنة، فإن الإيمان حصن حصين للنفوس التي تحمله، ولكن الضلالات والبدع ترمي الجد بالهوينا، وترمي الحصانة بالوهن، وترمي الحقيقة بالوهم، فإذا هذه النفوس كالثغور المفتوحة لكل مهاجم.

...

نصيحتي للقائمين على هذه المجلة أن يسلكوا بها الطريق الواضح إلى الدعوة، وأن يستفيدوا منها من تجارب من سبقهم، وأن يحشدوا لها الأقلام المتينة، والعقول الرصينة، وأن يعتنوا بتصحيحها، فالتصحيح نصف الجمال.

<<  <  ج: ص:  >  >>