وواعجبًا لأبنائنا يتنكّرون لدينهم- وهو حق- وهم يعلمون أنّ اليهود حقّقوا حلمًا دينيًا صبروا له عشرات القرون، وأنّ الهنود يغارون للبقرة تُهان فتطيح الرقاب، وقد بنوا على ذلك دولة، فكيف لا يغار المسلم على حقائقه وحقوقه الدينية؟ وكيف لا يبني عليها دولةً تطاول الدول؟
أيها الزملاء الكملة: يجب عليكم أن توجّهوا بأقلامكم الهادية هذه الأقلام الضالّة، ثم تتوجّهوا جميعًا إلى الوجهة السديدة التي تنفع وتدفع وترفع وتسْفع وتشفع، واسمعوا منّي معمولات هذه العوامل: إن الوجهة السديدة هي التي تنفع القريب، وتدفع الغريب، وترفع القناع عن المريب، وتشفع للمنيب، وتسفع المعتدين بالناصية.
أيها الإخوان: إن القلم الذي نسبتم ناديكم إليه ذو نَسَب عريق في دينكم وفي آدابكم، فأيّ دين من الأديان السماوية مجّد القلم كما مجّده الإسلام أو وضعه في منزلة مثل المنزلة التي وضعه فيها القرآن؟ فقد وضعه في منزلة لا يرقَى إليها المتطاول، ولا تنالها يَدُ المتناول، نَسَبه الله إلى نفسه وجعله أحد الرواميز الأربعة إلى قوته وكمال قدرته وإحاطة علمه: العرش واللوح والكرسي والقلم، ثم زاده تشريفًا فأقسم به عزّ وجلّ فقال:{ن وَائقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}، ولا يُقسم الخالق العظيم إلّا بمخلوق عظيم، وعظمة المخلوقات من عظمة آثاره في النفع والخير، ثم زاده رفعًا فجعله أداة تعليمه لخلقه:{عَلَّمَ بِائقَلَمِ، عَلَّمَ ائإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.
إن الأشياء كلها في هذا الوجود تروج وتكسد وتصلح وتفسد وتقبح وتحسن إلّا القلم، فإن سوقه دائمًا إلى رواج، ولا يصحّ في الأذهان أن يأتي يوم تستغني فيه الأمم عن القلم، إلّا إذا صحّ في تلك الأذهان أن يأتي يوم تقلب فيه الأوضاع والحقائق، وتنتكس العقول إلى الوراء، ويخرج فيه الكون من تدبير الله إلى تدبير الشيطان، والإنسان من تدبير العقل إلى تدبير البطن، وينعكس فيه الفهم من نطق اللسان إلى نطق الدبر، ويومئذ يكون أفضل الذِّكر أن يقال كلّما ذُكِر الشيطان: رضي الله عنه.
أيها الإخوان: القوة اليوم بالأقلام، وبالجواري المنشآت في البحر كالأعلام، فإذا فاتتكم القوة الثانية فلا تفوتنكم القوة الأولى.
لقد سمعنا شوقي يخاطب الترك بقوله:
نحنو عليكم ولا ننسى لنا وطنًا ... ولا سريرًا ولا تاجًا ولا عَلَما