فهذي سيوف يا عدي بن مالك ... كثير ولكن أين بالسيف ضارب
وإن كثيرًا ممن يحترف هذه الحرفة بيننا اليوم ممن يصدق عليهم قول الشاعر:
تبًّا لدهر قد أتى بعجاب ... ومَحا فنونَ الفضل والآداب
وأتى بكُتَّاب لو انبسطت يدي ... فيهم رددتهمُ إلى الكُتَّاب
وإن منهم لأدعياء يتقحمون عرينًا نامت آساده، فكأنّ القائل عَناهُم بقوله:
لقيط في الكتابة يدّعيها ... كدعوى آل حرب في زياد
فدع عنك الكتابةَ لستَ منها ... ولو لَطَّخْتَ ثوبك بالمداد
أيها الإخوان: شتّان ما بين السماء والسماوة، فمن السخافة في عقل العقلاء أن يقال إنهما واحد لأنّ النسبة إلى كليهما في حكم اللغة واحدة.
أيها الإخوان الزملاء، لا يفهم الناس من نادي القلم أنه متحف للأقلام يضم أنواعها وأشكالها وتطورات جواهرها على الزمن من القصب إلى الذهب، وإنما يفهمون- على الأقل - أنه شيء غير ذلك، فما هو هذا الشيء؟ لقد أحسنتم وهُديتهم إلى الطيب من العمل حيث لم تقيدوه بمكان، فرفعتم بذلك أوهامًا منها أنّه نادٍ كالنوادي، وجئتم بكمال يظنّه الناس نقصًا، وهو أنه فكرة محلّها القلوب الواعية، ومظهرها الهمم الساعية، وبقي أن يعرف الناس آثارها الظاهرة.
إنّ على هذا النادي الفكري عهدًا مسؤولًا، إنْ غفل عنه قبل اليوم فلن تغفر له غفلته عنه بعد اليوم، ذلك العهد المسؤول هو أن يوجّه بطريق القدوة هذه القوافل الخابطة في غير هدى إلى الصراط القويم، يوجّهها إلى خدمة هذه الأمّة التي منها خلقهم وعليها رزقهم، يفهمها أن هذا الوطن مسلم منذ غرس فيه الفاتحون من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - شجرة الإسلام وسقوها بدمائهم، فكيف يعلو فيه صوت ملحد أو صوت وثني؟
إنّ من السماجة بل من الخيانة أن يوكل خبر المسلمين بالتنقص من دينهم، وأن تطمس بينهم حضارة العرب- وأسبابها ما زالت في الأيدي- بحضارات قامت على الظلم والتسخير والوثنية، كل هذه الأدران لا ترحض إلّا بما تنضحه الأقلام الطاهرة القوية من حقائق وحكم وتوجيهات.
إنّ في العراق جفافًا لا تُحييه إلّا غيوث المداد من الأقلام الراشدة، وَوَاعجبًا كيف يُصيب العراق جفاف الثرى حتّى تجلب القوت الغالي من الخارج، وفيها الرافدان؟ أم كيف يُصيب العراقيين جفافُ الفكر والعقل حتّى يستعيروا المبادئ الضارة من الأجنبي، وفيهم القرآن يهدي، والعربية تُجدي، والتاريخ الإسلامي يُعيد ويُبدي؟