للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشهوات من جوارحكم فتركبون منها ما حلّ وما حَرُمَ، كل هذا وأمثاله معه سيقع، فماذا أعددتم للأخرى من الواجبات التي هي أدنى لروح العيد، وأجلب لسرور الرجال في العيد، وأقرب لرضى الله وهي حقوق فلسطين وأهل فلسطين ومشرّدي فلسطين ويتامى فلسطين وأيامى فلسطين والمسجد الأقصى من فلسطين، أم قست قلوبكم فأنتم لها لا تذكرون؟

ويحكم ... إن هذا العيد يغشاكم في نهاية كل عام، فاعتبروه رقيبًا يقدّر الثواب أو مفتّشًا يوقع العقاب أو حسيبًا يصفّي الحساب، فماذا أعددتم له احتياطًا لهذه الافتراضات كلها؟

هبوه رقيبًا- وأيقنوا أنه رقيب عتيد- فهل تداركتم أخطاءكم بالرجوع فيها إلى الصواب، وتداركتم خطاياكم بالتوبة منها والإقلاع عنها، أو تداركتم تضييعكم لفلسطين بالاستعداد الصادق لاسترجاعها أو تداركتم تعريضكم يتامى القدس للتنصّر بالنظر لهم والسعي لإنقاذهم، أو تداركتم إعراضكم عن اللاجئين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم بالمساعي الجدية لإرجاعهم، أو تداركتم إهمالكم للمسجد الأقصى الذي أصبح تحت رحمة صهيون بالحفاظ في حمايته وإعداد وسائل تلك الحماية، وهيهات هيهات ... ضاع المسجد الأقصى يوم ضاعت فلسطين ولا مطمع في إنقاذه إلا بإنقاذ فلسطين كلها.

وهبوه مفتّشًا- واعتقدوا أنه مفتّش لا تجوز عليه المغالطة- فهل أعددتم له شيئًا على قياس مما تعرفون في هذا الباب وأيسره: جواب محرّر لكل سؤال مقدّر؟

وهبوه حسيبًا- واعلموا أنه حسيب يناقش حتى في ذرة جرت ذرة- فهل استعرضتم جداول أعمالكم في السنة كلها وضبطتم ما لكم وما عليكم؟

ليس هذا ولا ذاك ولا ذلك بواقع منكم، وسيغشاكم فيجد السفينة غارقة في أوحالها ودار ابن لقمان باقية على حالها. لقد عوّدتموه ذلك وعوّدكم تضييق المسالك وحلول المهالك (وأول راضٍ سيرة من سيرها).

أيها العرب: إن الواحد منكم يموت له الطفل الصغير فيلتزم الحداد ويتدثّر السواد ويمر عليه العيد فلا تزدهيه ملابسه ولا تستهويه مجالسه، ولا ينزع لباس الحزن إلى وفاء السنة، يتحدّى بذلك نصوص الدين المنصوصة وأحوال الدنيا المخصوصة وقد ماتت فلسطين وهي أعزّ شهيد وأحقّه بالحزن عليه فويحكم أهي أهون مفقود عليكم؟ أم أن نخوتكم ماتت معها، إنها والله لأولى بالحزن عليها من كل محزون عليه وإنها والله لأولى بعدم الصبر ممن قال فيه القائل:

والصبر يحمد في المواطن كلها ... إلا عليك فإنه مذموم

<<  <  ج: ص:  >  >>