للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذلك المعنى، أو شعبة من تأثيره، وأنا أقول إن العرق الكريم كريم في ذاته، وإن الكويت والبيت الصباحي فيه ... اختصّا برأس مال معنوي، وهو الخلال العربية الصميمة ومنها الجد، والآداب الإسلامية القويمة، ومنها حب الخير ثم فعله، وهذا هو الاستعداد الفطري السليم الذي لا يزيد المال فيه، ولا ينقص العدم منه، فهذا هو رأس مال الكويت الحقيقي الذي لم تفسده العوامل الدخيلة ولم تهدمه المعاول المختلفة المتعددة لهدم العرب بهدم أخلاقهم وإفساد أذواقهم، ولو سلمت هذه الأخلاق للعرب وللمسلمين لسلم لهم كل شيء وكانت منبهة لهم إلى تلافي الخلل قبل الفوات، وضمّ الشمل قبل الشتات.

هذه الخلال في الكويت وفي غيرها من أمهات القرى العربية السالمة هي التي نعدّها رأس المال، قبل المال، فلما فاض عليها المال فاضت معه تلك الأخلاق وقادته إلى الصالحات ولم يقدها إلى المهلكات ونِعِمّا المال الصالح للعبد الصالح، والمال- منذ كان المال- لا يفسد الصالحين، بل يزيدهم صلاحًا. ولا يصلح الفاسدين بالطبع والجبلة، والمال كالماء إنما يحيي الأرض الخصبة. وأقرب الطبائع من المثل العليا في سياسة المال طبيعة العرب الذين يقول أولهم:

إذا حال حول لم يكن في بيوتنا ... من المال إلا ذكره وفضائله

...

نحن مستنون- إن شاء الله- بسنة القرآن في تنزيله الأحكام على الأعمال لا على العاملين، لأن العاملين يفنون، والأعمال تبقى ببقاء آثارها. ولم نعوّد ألسنتنا ولا أقلامنا مدح شخص لذاته أو للقبه أو لبيته أو لمنصبه، فإذا أثنينا على شخص كان الثناء منصبًا على عمله الصالح النافع وعلى هذا الأصل القرآني، فنحن نثني مسرورين مبتهجين على هذه الأعمال الصالحة التي قامت بها إمارة الكويت على يد أميرها وآل بيته، وإعانة علمائها وسراتها وأهل الرأي فيها، من تشييد المدارس التي هي حصون العلم، ومستشفيات العقول؛ وتجهيز القوافل من شباب العرب إلى مصر ليتفقّهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون، وليدرسوا الحياة فيأخذوا بأقوى أسبابها إلى أشرف غاياتها، ومن فتح الباب لأبناء العرب من الخليج العربي إلى الجزائر العربية ليقطعوا مرحلة من مراحل التعليم في الكويت، فيتلاقى أبناء العمومة من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق على بساط العلم الجامع وفي ثرى الأخوة الندي، وتتلاقى الأفكار التي شتتها تباعد الديار، وكيد الاستعمار، ومن شحن اللغة العربية إلى أبنائها المغتربين في باكستان والهند لتبقى صلتهم بإخوانهم ووطنهم ممدودة ومن تحقيق أسباب العمران والتمدين في تلك الصحراء الجرداء. وإنها لأعمال جليلة في ذاتها، محمود فاعلها بالتبع لها، ونحمد الله لأمراء الكويت أن وفّقهم إلى أداء زكاة المال بهذه الصورة النافعة وأن وفقهم إلى شكره على النعم بهذه الصيغة العملية البليغة".

<<  <  ج: ص:  >  >>