للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فردي جاء من قوة الصبر والاحتمال أو من أسباب أخرى تبنى عليها الشذوذات ولكنها لا تصبح قاعدة عامّة في جميع الناس، ونحن الذين سبقنا هذا الجيل نعرف أفرادًا من هؤلاء، ونعرف أنهم لم يحصلوا التحصيل الحقيقي الذي ينفعون به قومهم إذا رجعوا إليهم، وإنما حصلوا النسبة الأزهرية، وهي في كثير من أصحابها تغرّ ولا تسرّ.

...

لا ينفع الجزائر ويشرّفها، ولا يرفع مصر ويعرفها، إلا اثنان:

يافع عمره أربعة عشر عامًا يحمل الشهادة الابتدائية من مدارس جمعية العلماء أو الشهادة الابتدائية الفرنسية مع حظ في العربية يكون في قوّتها، ومن ورائه من ينفق عليه انفاقًا منظّمًا، فهذا تؤهله سنّه ومعارفه الضرورية للدخول في المدارس الثانوية المصرية، فيمرّ على مراحل التعليم الثانوي إلى البكالوريا العربية، ثم إلى التعليم الجامعي إلى آخر شهاداته، كما تؤهله شهادته العربية لدخول الأزهر فيبني تعلّمه حجرًا عن حجر إلى تمام البناء، بشرط أن يكون عليه إشراف حكيم ورقابة شديدة تحفظ عليه نظام دروسه ونظام حياته وأخلاقه.

وشاب في العشرين أو فوقها بقليل يحمل شهادة التحصيل من جامع الزيتونة أو شهادة المعهد الباديسي في منهاجه الجديد، فهذا تؤهله سنّه ومعارفه الثانوية لدخول عدة معاهد كلها مفيدة، ومنها كلية أصول الدين التابعة للأزهر وكلية دار العلوم وكلية الآداب التابعتان للجامعة المصرية، ويكون من ورائه من ينفق عليه إنفاقًا منظّمًا ومن يشرف عليه كذلك.

هذان الصنفان هما اللذان ينفعان الجزائر، ويشرّفان سمعة مصر، وتكون إعانتهما وضعًا للشيء في محله.

أما أن يفارق الشاب الجزائري وطنه، وسنّه مرتفعة، وعقله فارغ من العلم وجيبه فارغ من المال، فهذه الحالة هي التي نحذر منها وننصح من لم يقع أن لا يقع فيها، وحسبه أن يتعلّم في وطنه ما يرفع عنه الجهل أو ما ينفع به الناس نفعًا محدودًا وهو لا يعدم ذلك في وطنه.

في الجزائر جمعية العلماء وهي تجاهد في هذا السبيل، فتفتح المدارس وتهيّئ البعوث وتشرف عليها، وهي متخصصة في الاطّلاع على وسائل العلم، فما لهؤلاء القوم لا يستشيرونها؟ وما لهم حين يستشيرونها لا يعملون بنصائحها وتوجيهاتها؟

ألا ان جمعية العلماء لا تقرّ هذه الفوضى التي لا تعود على الجزائر إلا بسوء الأحدوثة، وقد بذلت جهودًا في تنظيم بعثاتها والجري بها على الشروط الواجبة، ومع ذلك فما زالت

<<  <  ج: ص:  >  >>