للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الهرمين بتلك المواعظ بعض السبب في اغترار الشبّان وانهماكهم في الشهوات واسترسالهم مع النزوات، وبعض السبب في إبعادهم عن الله مضافًا إلى جنون الشباب وسلطان الهوى وتنبه الغرائز الحيوانية.

وأنا أرى أن الشبّان أحق الناس بذلك الوعظ وبالتوجيه إلى الله والتقريب منه، وبالتعهّد المنظّم والحراسة اليقظة حتى تكون أقوى الملكات التي تتربّى فيهم ملكة الخوف من الله، في وقت قابلية الملكات للثبوت والاستقرار في النفوس، وفي وقت تنازع الخير والشرّ للنفوس الجديدة، وإنها لكبيرة أن ينشّأ الشاب على الخير والاتصال بالله من الصغر، ولكن جزاءها عند الله أكبر، لما يصحبها من مغالبة للهوى في لجاجه وطغيانه، ومجاهدةٍ للغريزة في عنفوانها وسلطانها، ولهذا السرّ عدّ - صلى الله عليه وسلم - الشاب الذي ينشأ في طاعة الله أحد السبعة الذين يظلّلهم الله بظلّه يوم لا ظلَّ إلّا ظلّه، وعدّ الشيخ الزاني أحد الثلاثة الذين يلعنهم الله واللاعنون من عباده، لأن المعصية من مثله خالصة لوجه الشيطان لم تصحبها داعية ولم يخفّفها عذر، ولم تسبقها مغالبة ولا جهاد.

أيها الشباب: ساءَ مَثَلًا من أوهمكم أن بينكم وبين الموت فسحة وإمهالًا، لقد علمتم أن الموت لا يخاف الصغير ولا يعاف الكبير، وأسوأ منه نظرًا من توهّم أنكم لذلك أبعد عن الله من حيث المعاد، فإنكم أقرب إلى الله من حيث المبدأ، وان أثر يد الله فيكم لَأظهر، وان المسحة الإلاهية على شبابكم لأوضح، وان أغصانكمِ الغضّة المورقة لمطلولة بانداء السماء وقد وخزتها خضرته من كل جانب، وان نفحات الله لتشمّ من أعطافكم وشمائلكم، فلئن كنا قريبًا من لقاء الله بالموت فلَأنتم أقرب إليه بالحياة، ولئن صحبكم الاتصال به في جميع المراحل فيا بشراكم، ولئن كنا نقبل عليه كارهين متَسَخِّطين على الموت، فأنتم مقبلون من عنده فرحين بالحياة مستبشرين، فصلوا حبلكم بحبله واحفظوا عهده، وحذار أن تقطعكم عنه القواطع.

أيها الشباب: إن الشباب نسب بينكم ورحم وجامعة، ولا مؤثِّر في الشباب إلّا الشباب، فليكن بعضكم لبعض إمامًا، وئيعلّم المهتدون الضُلّال.

دينكم- أيها الشباب- لا يفتننكم عنه ناعق بإلحاد، ولا ناع بتنقّص.

وربّكم- أيها الشباب- لا يقطعنكم عنه خنّاس من الجنّة والناس.

وكتاب ربّكم- أيها الشباب- هو البرهان والنور، وهو الفَلَج والظهور، وهو الحجّة البالغة، والآية الدامغة، فلا يزهّدنكم فيه زنديق يؤول وجاهل يعطل ومستشرق خبيث الدخلة، يتخذه عضين، ليفتن الغافلين، ويلبّس على المستضعفين.

<<  <  ج: ص:  >  >>