للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفهمها وأن يؤمن بها، لا سيّما الحكومات والساسة وقادة الرأي، وأنا كفيل بشرحها وبيانها لأنه من أصول رسالتي:

الأول: إن الشعب الجزائري مؤلف من عشرة ملايين وزيادة كلهم عرب أصلاء، وكلهم مسلمون متصلبون، والاستعمار الفرنسي عامل على مسخهم وإخراجهم من عروبتهم وإسلامهم، ولولا خصال فطرية في التصلّب والاعتزاز بجنسيتهم ودينهم وشرقيتهم، ولولا جمعية العلماء وجهادها عشر سنين في التمهيد وعشرين سنة في العمل لبلغ الاستعمار منهم ما أراده، ولو ضاعوا لكان ضياعهم مصيبة على المجموعة العربية لأنه نقص في رأس مالها من الرجال المتشددين في عروبتهم، والزمان زمان تكتّل وتكاثر في العدد ونحن نرى أقوياءه يتكاثرون بمن ليس منهم ولا تجمعه بهم جامعة، فكيف بالأخ الأقرب المشارك في الدم واللسان والخصائص الجنسية.

الثاني: إن جامعة الدول العربية ملزمة بروح ميثاقها العام أن تحرّر كل عربي على وجه الأرض بالمستطاع من وسائلها التدريجية، ولا نشك أن للشعب الجزائري مكانته في نفس الجامعة، وقيمته في تقدير الجامعة و"خانته" في برنامج الجامعة، فإذا كانت الجامعة لا تستطيع أن تحرّر القطر الجزائري كوطن فهي تستطيع أن تحرّر العقول والأفكار بالعلم والمعرفة من الجهل والضلال اللذين هما أساس الاستعمار. والجامعة أول من يعلم أن الشعب الذي لم تتحرّر عقوله وأفكاره من قيود الجهل والوهم يستحيل أن تتحرّر أبدانه أو يعسر أن تتحرّر، وقد هيأت جمعية العلماء هذا الشعب للاستقلال بما لقّنته من معاني الحياة الشريفة وبما بثّت فيه من معاني العروبة والوطنية والحرية وبما ربطته بالشرق ربطًا محكمًا، وهي تُرَبّيهِ لا على المطالبة بحقّه بل أخذ حقّه بيده، كل ذلك بالفعل الذي قامت عليه الشواهد لا بالأقوال الفارغة التي لا عليها شاهد، وان هذه الجمعية تعلم أن ركب العرب لا يُحْدَى إلا بلغة العرب، ولا يطرب إلا على أغاني العروبة، وتعلم أن قافلة الإسلام لا تهدى إلا بدلالة القرآن، وكل هذا فعلته جمعية العلماء وما زالت تفعله، وقد صحّت التجربة وصدقت النتيجة، وعلى هذا فلجامعة الدول العربية من جمعية العلماء الجزائريين سند قويم ودليل هاد ومعين أمين.

الثالث: ان الشعب الجزائري العربي غريب في وضعه لا يقاس بشعب ولا يقاس به شعب عربي آخر لأن لكل شعب من الشعوب العربية المستقلّة رأس مال من الحرية والحكم والمال ومواريث الأسلاف من مدارس ومساجد ومعاهد وأوقاف. تونس ومراكش المحيطتان بالجزائر ما يزال فيهما شيء من تلك المواريث، ففيهما المساجد الكثيرة الضخمة، فيهما بقية أوقاف دارة وفيهما صور من الحكم وأنواع من الوظائف العليا، وفي تونس جامعة الزيتونة ثانية الجامعات الإسلامية بعد الأزهر، وفي مراكش جامعة القرويين ثالثة الجامعات الإسلامية بعد الأزهر والزيتونة ولكل واحدة من الجامعتين ميزانية ضخمة من الأوقاف ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>