للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخزانة العامة، وكل واحدة منهما محفوظة ومسيّرة بميزانيتها القارة، أما الجزائر فلم يبق فيها أثر ولا عين من تلك المواريث، فالأوقاف الإسلامية العظيمة صادرها الاستعمار في السنة الأولى لاحتلاله والمساجد العظيمة صيّرها كنائس ومرافق عامة في السنوات العشر الأول انتقامًا من المقاومة التي كان يلقاها في الشعب الجزائري، وبقية المساجد هي ووظائفها تحت يده وسلطانه وهي كذلك إلى الآن وصيّر من وظائفها وسائل تجنّد للجوسسة، ومن رجالها ألسنة للتسبيح بحمد فرنسا، حتى يكون المسلمون بعضهم لبعض عدوًا، وهم الآن حرب على التعليم العربي وعلى جميع الحركات المناهضة لفرنسا وفي مقدمتها جمعية العلماء، وفرنسا ترصد مئات الملايين من ميزانيتها لحرب العربية والإسلام في الجزائر، وتجنّد الآلاف من أذنابها لمقاومتها والتزهيد فيها.

وفي هذا التصوير، وهو قليل من كثير، تتضح عظمة الأعمال التي قامت بها جمعية العلماء الجزائريين وفي وسط هذه الظلمات المعكرة بالظلم والجهل والفقر، وان جمعية توجد شيئًا من لا شيء لحقيقة بالتقدير والإعانة العملية ... ان جمعية تشيد مائة وخمسين مدرسة ابتدائية وتعمرها بنحو خمسين ألف تلميذ من بنين وبنات يدرسون العربية والإسلام ثم تنشئ معهدًا ثانويًا يحتوي على ألف وخمسمائة تلميذ وتشيد سبعين مسجدًا لإقامة الشعائر الإسلامية، وتؤسّس مائة ناد وزيادة للمحاضرات العلمية والاجتماعية، وتنظّم البرامج الفعّالة لمكافحة الأمية ثم تمدّ نظرها إلى ما هو أعظم من ذلك، فهي عازمة مصمّمة إن تيسّرت لها الوسائل المادية أن تشيد ألف مدرسة تستوعب مئات الآلاف من الأطفال المشرّدين، وهذا المقدار من المدارس هو القدر الضروري الذي يفتقر إليه الشعب الجزائري ويستتبع ذلك عدة معاهد ثانوية ينتقل إليها الآلاف من المحصلين على الشهادة الابتدائية وعدة معاهد لتخريج المعلمين لهذا الجيش الجرّار من المتعلمين. كل هذا من الآمال التي تسعى جمعية العلماء لتحقيقها، وان جمعية تعمل مثل تلك الأعمال وتأمل مثل هذه الآمال لحقيقة بأن يؤخذ بيدها وأن تعان على تثبيت أعمالها وتحقيق آمالها.

وهذا مجمل من حقيقة هذه الجمعية كنت قدمت تفصيله في مذكّرتين للأمانة العامة لجامعة الدول العربية من نحو سنة مضت، كما بيّنته أبلغ بيان لإخواني العرب شعوبًا وحكومات في هذه الرحلة التي استغرقت من وقتي ما يقرب من السنتين، وقد برأت بهذا التبليغ إلى الله وإلى التاريخ وإلى ضميري وأمانتي، ولم يبق إلا واجب الإخوان لإخوانهم، وقد بدأت بوادره في هذه العشرات من الطلّاب الذين قبلتهم الحكومات العربية في معاهدها على نفقتها وفي مبلغ مائة وعشرين جنيهًا مصريًا قرّرته الأمانة العامة إعانة لمكتب جمعية العلماء في القاهرة، وذلك المكتب الذي أسّسته ليكون واسطة بين الشرق العربي وغربه، وسفيرًا أمينًا بين الجزائر وأخواتها العربيات شعوبًا وحكومات.

<<  <  ج: ص:  >  >>