للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشعبتان معًا تلتقيان عند غاية واحدة هي فصل المسلمين وهم قوة في العدد عن دينهم وهو مناط قوّتهم الروحية ليتم للقائمين على الشعبتين استعباد أبدان المسلمين واستغلال خيرات أوطانهم. ومن ظن من عقلاء المسلمين وعلمائهم أن هذه الحملة عليهم وعلى دينهم ليستْ مدبرة وليست منظّمة وليست متعاونة متساندة وليست مرصدة لوقتها ورامية إلى هذا الهدف، من ظنّ هذا فأقل درجته أنه مغفل جاهل مغرور.

ولو حافظ المسلمون على فريضة الدعوة في دينهم وكانت لهم دعاية منظمة يمدّها الأغنياء بالمال والعقلاء بالرأي والعلماء بالبرهان المثبت للحقائق الإسلامية وبالتوجيه لغاية الغايات فيه وهي إسعاد الانسانية وتحقيق السلام بين البشر والقضاء على الطغيان والعدوان والظلم، وإقامة العدل بين الناس ونشر المحبة بينهم، لو فعلوا ذلك وحافظوا عليه في كل أطوار الزمن لكانوا اليوم فيصلًا بين الكتلتين المتطاحنتين وحاجزًا حصينًا بين البشرية وبين الكارثة المتوقعة التي لا تبقي على بر ولا فاجر ولا مؤمن ولا كافر، بل إنني أعتقد اعتقادًا جازمًا انه لو كان للإسلام دعاة فاهمون لحقيقة الإسلام محسنون للإبانة عنها ولعرضها على العقول لرجعت إليه هذه الأمم الحائرة في هذا العصر، الثائرة على أديانه وقوانينه وأوضاعه لأن أديانه لم تحفظ لهم الاستقرار النفسي والطمأنينة الروحية، ولأن قوانينه الوضعية لم تضمن لهم المصالح المادية ولم تقم الموازين القسط بين طبقاتهم، ولأن الأوضاع العامة لم تحقن دماءهم ولم تغرس المحبة بينهم، فهم لذلك تائهون متطلعون إلى حال تغيّر هذه الأحوال، وفي الإسلام ما يقوم بذلك كله ويرجع بالناس إليه وإلى اختياره حكمًا ترضى حكومته لو وجد من يدعو إليه على بصيرة ويبيّن حقائقه ويحسن عرضها على العقول ببرهان الواقع والمعقول.

لم يمضِ على المسلمين في تاريخهم الطويل عهد كهذا العهد في قعودهم عن الدعوة إلى دينهم وفي هجوم الدعاية الأجنبية عليهم والقضيتان متلازمتان في الطباع البشرية الغالبة وفي طبيعة الاجتماع الذي هو أملك لأحوالهم.

فمن سننه أن من لم يدافع دوفع وأن من لم يهاجم هوجم وأن من سكت على الحق أنطق غيره بالباطل، ولم يَمْضِ عليهم زمن تألّبت فيه قوى الشرّ عليهم وتألّفت جنوده على ما بينها من دعوات ومناقضات كما تألّبت في هذا الزمن، فالأديان كاليهودية والمسيحية الغربية الاستعمارية والبوذية والوثنية بجميع ألوانها والمذاهب الاجتماعية المادية كلها أصبحت أَئبًا على المسلمين والإسلام، متداعية إلى ذلك عن قصد واتفاق صادرة في ذلك عن عهد وميثاق يسند بعضها بعضًا ويقرض بعضها بعضًا العون والتأييد، وأن العقلاء من هذه الأمم المتعاونة على حرب الإسلام مسوقون بأيدي الساسة الطامعين والقساوسة المتعصّبين والملاحدة المستهترين حتى أصبح باطن أمرهم كظاهره وهو أنهم قوة متحدة لحرب الإسلام

<<  <  ج: ص:  >  >>