للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشارك فيها ذو الدين بدينه وذو المال بماله وذو العقل بعقله. ويشارك فيها الساكت بسكوته ... لا نلوم هؤلاء الأقوام على ما يسرون من عداوة الإسلام وما يعلنون ولا على ما صنعوا بأهله وما يصنعون، فما اللوم برادّهم على ما هم ماضون فيه بعد أن ابتلوا سرائرنا وامتحنوا ضمائرنا، فوجدوها عورات ومنافذ خالية من الحراسة التي يعرفونها عنّا، ومن المناعة التي يتوقّعونها منَّا فسدّدوا الغارة على ديارنا فاكتسحوها، وشدّدوا الحملة على خيرات أوطاننا فاستباحوها، ثم شنّوا غارة أفجر وأنكر على عقولنا ليمسخوها، إذ بذلك وحده يضمنون التمتعّ بخيراتنا والتلذذ باستعبادنا.

لا نلومهم على ذلك، فما منهم إلا موتور من هذا الإسلام في ماضيه وأحد أطوار تاريخه فهو حاقد عليه يتخيّل في شبحه مفوّتًا للعز والسلطان، ومقيّدًا للشهوات في اتّباع الشيطان، أو مانعًا من الانطلاق الحيواني في بغي الإنسان على الإنسان، وما ينقمون من الإسلام إلا أنه يقيّد الغريزة الحيوانية عن الظلم والتسلّط والشهوة ويفيض عليها من النور السماوي ما يرفعها إلى أفق أسمى، وهم بعد ذلك عمون عما وراء ذلك الذي ينقمونه من خير في الإسلام ونفع، ولا نملك لهم أن يهتدوا إلى ما في الإسلام من عز بالله وعدل في أحكامه بين عباده رحمة بهم وإحسانًا وإلى ما فيه من انطلاق ولكن إلى الآفاق العليا الملكية.

إنما نلوم أنفسنا ونلوم قومنا على التفريط والإضاعة وعلى إهمال الدعوة لدينهم والعرض لجماله ومحاسنه وعلى التخاذل في وجه هذه القوة المتألبة المتكالبة عليهم وعلى دينهم حتى أصبح سكوتنا وإهمالنا عونًا لها على هدم ديننا ومحو فضائلنا والقضاء على مقوّماتنا، فأغنياؤنا ممسكون عن البذل في سبيل الدعوة إلى دينهم، وكأن الأمر لا يعنيهم وكأن الدين ليس دينهم، وكأنهم لا يعلمون أن هذا التكالب إن استمرّ لا يبقي لهم عرضًا ولا مالًا ولا متاعًا، وقد بلغت الغفلة ببعضهم أن يعين الجمعيات التبشيرية المسيحية بماله وكأنه يقلّد عدوّه سلاحًا قتّالًا يقتل به دينه وقومه، ولم يبق عليه من فضائح الجهل إلا أن يقول لعدوّه اقتلنى به. إننا لا نكون مسلمين حقًا ولا نستطيع أن ندفع هذه الجيوش المغيرة علينا وعلى ديننا تارة باسم العلم وتارة باسم الخير والإحسان وأخرى باسم الرحمة بالإنسان إلا إذا علمنا ما يراد بنا وفقهنا الغايات لهذه الغارات وتحديناها بجميع قوانا المعنوية والمادية وحشدها في ميدان واحد هو ميدان الدفاع عن حياتنا الروحية والمادية، ولا يتم لهذا الشأن تمام إلا إذا أقمنا الدعوة إلى الله وإلى دينه الإسلام على أساس قوي من أحجار العالم الربّاني والخطيب الذي يتكلم بقلبه لا بلسانه والكاتب الذي يكتب بقلمه ما يمليه عقله والغني المستهين بماله في سبيل دينه، ثم وجّهنا هذه الدعوة إلى القريب قبل الغريب، إلى المسلم الضالّ قبل الأجنبي، فإذا فعلت الدعوة فعلها في نفوس المسلمين وأرجعتهم إلى ربّهم فاتصلوا به فتمسّكوا بكتابه وهدي نبيّه وتمجّدوا بتاريخه وأمجاده وفضائله ولسانه كنا قلّدناهم سلاحًا لا

<<  <  ج: ص:  >  >>