للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن جلّ أبنائنا الذين التقطتهم أوربا لتعلّمهم عكسوا آية فرعون مع موسى. ففرعون التقط موسى لينفعه ويتّخذه ولدًا وربّاه صغيرًا وأحسن إليه، فكان موسى له عدوًا وحزنًا وسخنة عين، أما أبناؤنا فقد التقطتهم أوربا وعلّمتهم وربّتهم فكانوا عدوًا لدينهم، وحزنًا لأهله، وسخنة عين لأهليهم وأوطانهم، إلا قليلًا منهم دخل النار فما احترق، وغشي اللج فأمن الغرق.

والسبب في هذا البلاء هو استعداد فينا كاستعداد المريض للموت، وشعور بالنقص في أنفسنا، لبعد عهدنا بالعزّة والكرامة، ولموت أشياء فينا تصاحب موتها في العادة يقظة أشياء، ففقد الإحساس بالواجب تصحبه يقظة الشهوات الجسدية، وقوة الإحساس بالواجب هي التي أملت على بعض خلفائنا أن يعتزل النساء كلما هم بالغزو، وهي التي حملت كثيرًا من قضاة سلفنا على أن يقمعوا شهوتهم الجسدية بالحلال قبل أن يجلسوا للخصوم في مجالس الحكم، وموت النخوة تصحبه سرعة التقليد وعادة الخضوع للغالب وسرعة التحلّل والذوبان.

إن الغرب لا يعطينا إلا جزءًا مما يأخذه منّا، ولا يعطينا إلا ما يعود علينا بالوبال، وقد أعنّاه على أنفسنا فأصبح المهاجر منّا إلى العلم يذهب بعقله الشرقي فينبذه هناك كأنه عقال على رأسه لا عقل في دماغه، ثم يأتيتا يوم يأتي بعقل غربي، ومنهم من يأتي بعقل غربي، ومعه امرأة تحرسه أن يزيغ ...

<<  <  ج: ص:  >  >>