للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك السموم من الأفكار الزائفة والآراء الضالّة والأخلاق الفاسدة. انه لغش ما بعده من غش، وتغرير بالأجيال التي ستأخذ عن مثل هؤلاء.

والله يعلم أننا بذلنا الجهد في تقويم أخلاق هؤلاء الشواذ من التلامذة بالنصح والموعظة الحسنة اللطيفة، ثم بالخُشْنَة الشديدة وبتفهيمهم الغاية التي جاؤوا من أجلها، وذكرناهم بحق الله عليهم، وبحق الأمة التي أوفدتهم وحاطتهم بالعطف وعلّقت آمالها بمستقبلهم وبحق الجمعية التي هيّأت لهم طريق العلم وسخّرت لخدمتهم الشعوب والحكومات ... توليت ذلك بنفسي، ثم طلبت من الأستاذ الفضيل الورتلاني أن يتولّاه عنّي، وعنده من لطف التوصّل إلى مسالك النفوس وجرّها إلى الخير إن كان فيها استعداد له طرائق عجيبة، فتولّى- حفظه الله- ذلك عني بعزيمة صادقة وضحّى في سبيله بمصالح عامّة من هذا النوع كانت أنفع وأشمل، وعقد لبعثة مصر مجالس وعظ وإرشاد وحكمة دامت أشهرًا وسمعوا منه في باب التذكير الديني المتّصل بالأرواح ما لم يسمعوه من أحد، ثم سافر لأجل ذلك إلى الكويت وإلى بغداد وإلى دمشق في الشتاء الأخير، وعقد للبعثات المجالس المتعددة، فأما الصالحون والمستعدّون للصلاح فزادتهم تلك المجالس صلاحًا، وكانت لأرواحهم غذاء، وأما هؤلاء الشواذ الذين فصلتهم أخيرًا فلم تؤثر فيهم فتيلًا، وما زادهم ذلك إلا مرضًا وكفرًا بأنعم الله ثم بأنعم الجمعية والأمة عليهم وحرصًا على إفساد الصالحين.

...

هذا التصرّف بسيط وواجب وحكيم، أما بساطته فهو أنه تصرّف رئيس مسؤول لله فيما استرعاه عنه، ومسؤول للأمة التي اختارته لقيادة هذه الحركة وائتمنته عليها، وأما وجوبه فهو أنه قيام بحق الله الذي أمر بالصلاح ونهى عن الفساد، وأما حكمته فهو أنه تأديب بعد أن لم تنفع النصيحة والاعذار والإنذار، وإصلاح للتلميذ المفصول إن كانت فيه بقية استعداد للصلاح وإصلاح لبقية التلامذة الذين بدأت عدوى المرض تسري إليهم وإفهام لهم أنه لا يستوي المحسن والمسيء في الجزاء، فربّما سرى إلى أذهانهم أنه لا فضيلة للمحسن على المسيء ما دام لم يمسّه التأديب، وأنه بعد ذلك إرضاء للأمة الجزائرية التي تحرص على الفضيلة، وتعاون الجمعية على إقرارها وقمع عوامل الفساد حماية للصالحين من أبنائها، وحكمته الأخيرة أنه إنذار معجّل لتلامذة البعثات المقبلة.

ما كانت هذه القضية البسيطة تحتاج إلى هذا التبسّط في الحديث عنها على المتعارف في أوضاع الجمعيات، ولكن وقوعها لأول مرة في تاريخ الجمعية سوّغ هذا البيان والتحليل

<<  <  ج: ص:  >  >>