للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجمع معاني السفارة والدعاية أن يختار لها الأصلح، فالصالح فالقابل للإصلاح بالسمع والطاعة لأوامر الجمعية واحترام نظمها والتأثّر بنصائحها وأن يطرح ما عدا هذه الأصناف ويبقى في بلاده مستورًا لأن الناقص الفاسد عورة في المجتمع، وعورات المجتمع أحق بالستر من عورات الأفراد.

وجمعية العلماء لم تغفل ذلك، ولم تنسَ أن حسن الاختيار مفتاح السداد، وأن ميزان الكمال دائمًا هو الدين، وأن الجانب الديني والخلقي له الاعتبار الأول في تلميذ البعثة لأنه سفير أمة، فهو إما رافع لقدرها وإما خافض؛ وهو شاهدها، فإما لها وإما عليها، وهو وجهها فإما شائه مشوّه، وإما جميل مجمّل.

ولكن احتياط جمعية العلماء في هذا الباب لم يخلُ من ثُغر سببها حسن الظن وإنها خطوة بداية مصحوبة بالتعجّل، وتجربة لم يسبق لها مثال، فلذلك وقع من بعض تلامذة البعثات إخلال متفاوت، وظهرت على بعضهم أمراض خلقية وفكرية، منها الشديد ومنها الخفيف وأشدها وأبعدها ما يمسّ الدين، وأشدّ الشديد منها ما يرجع إلى صميم الدين كالعقائد والشعائر، فوجب عليها أمران اثنان لمعالجة هذه الحالة ومعاجلتها بما يمنع استشراءها ويقطع دابرها: أحدهما أن تبالغ في الاحتياط وتتشدّد في حسن الاختيار، وأن تجعل التقدير الأول للدين والأخلاق والسلوك الاجتماعي، لا للذكاء والحرص على التحصيل، والأمر الثاني الفصل الناجز لكل تلميذ يخرج عن سنن الجمعية ويشوّه سمعتها ويصوّرها بقوله أو بفعله بغير صورتها، ولا يحقّق غاياتها التي وضحناها وقرّرناها في هذه الكلمة.

أما الأمر الأول فإنه موكول إلى المكتب الدائم بالجزائر وإلى من يستعين بهم من اللجان والأشخاص، وأما الأمر الثاني فقد تولّاه كاتب هذه السطور بما له من حق الرياسة المسؤولة المؤتمنة، وبما عليه من واجب المحافظة على مبادئ الجمعية وصيانة شرفها، وعلى سمعة الأمة الجزائرية وكرامتها وثقة الشرق بها، وعلى حق الله قبل ذلك كله في استرعاء بعض عباده على بعض.

...

إنني فصلت طائفة من أفراد البعثات بعد أن تعاهدتهم أنا وغيري من عباد الله الصالحين بالنصائح المتنوّعة، فلم ينتفعوا بها، وبالإنذارات المتكررة فلم يرتدعوا عنها، وأصبح السكوت عليهم إقرارًا للشرّ، واعترافًا بالمنكر، وغبنًا لذوي الاستقامة منهم حينما يرون أنه لا فضل لمستقيم على معوجّ، وغشا للأمة بهم إذا رجعوا إليها بعقول مريضة وأخلاق شاذة وأفكار ملحدة عن صراط الله ناكبة عن مبادئ جمعية العلماء ثم تولّوا تعليم أبنائها فبثّوا فيهم

<<  <  ج: ص:  >  >>