يرثنا فيزيد في التراث، ويخلفنا فيحسن الخلافة، ويتعلم فيكون أوسع منا علمًا، ويعمل فيكون أضخم منّا أعمالًا، ويحامي عن الإسلام وفضائله فيكون بعمله وقوله أصدق منّا محاماة، فإذا تهاونّا في شأنه وغلبتنا عليه العوامل الدخيلة، جنينا جناية نبوء بخزيها في الدنيا قبل الآخرة، وخنّا الأمانة التي استحفظنا عليها وحملناها طائعين، وأعطينا للأمة عليها صفقة أَيْماننا مختارين، لأننا حرّكنا القافلة إلى السير، ولم نوجّهها في الطريق القاصد إلى الغرض السديد، فلجت في بيداء طامسة فكانت غنيمة باردة للصوص العقول والأفكار.
أما بعد، فنحن في أشد الحاجة إلى الاتصال بإخواننا في الشرق لأن بيننا وبينهم أرحامًا يجب أن تتعاطف، وأسبابًا يجب أن تتلاقى، وحبالًا من التاريخ رمتها الأيدي العادية بالوهن والارتخاء حتى أوشكت أن تتقطع، ونحن في حاجة شديدة إلى إمدادهم إيانا بما نحن أفقر فيه منهم، وهم في حاجة إلى التنبيه على موقعهم منّا وموقعنا منهم، وإلى معرفة أحوالنا، حتى نتعارف على بصيرة، وقد فعلنا كل هذا وأربينا فيه على الغاية والحمد لله.
وان أوثق أسباب هذا الاتصال هو هذه البعثات العلمية التي نجهزها للشرق العربي كما نجهز البعوث ليمتزج أفرادها بإخوانهم فتتقارب الأمزجة، ويتحد الشعور، وتنمو الفضائل الأصلية في الفريقين وهي فضائل الإسلام، وتمحى الرذائل الدخيلة التي ابتلانا بها الغرب ليهلكنا ويملكنا، وليقول أحدهما للآخر: أنت أخي في الإسلام والعروبة فهلمّ نطر إلى المجد بجناحين، ولا يقول له: أنت أخي في العروبة فقط، فكأنما يقول له: هلم نطر بجناح واحد ... فيكونان كالقاضيين الأعورين في شعر الشاعر البغدادي ...
أكبر جوالب الامتزاج من جهتنا أن يكون العنوان الذي يقرأه إخواننا من صحيفتنا دالًا دلالة صادقة على حقيقة ما وراءه، وأن تكون الطلائع الأولى من طلّابنا هي ذلك العنوان، وأن يكون صورة مصغرة من جمعية العلماء في إيمانها وجهادها وثباتها وصبرها وصلاحها وإصلاحها، وصورة أخرى من الأمة الجزائرية في جدّها وسلامة فطرتها، وتصلبها في إسلامها وعروبتها وصبرها على المكاره في سبيلهما، وفي شجاعتها وكرم شمائلها والمحافظة على مقوّماتها وخصائصها، وتشوّفها لحياة سعيدة تبنيها بأيديها على منوالها، بأحجارها، على هدى تاريخها. كل ذلك ليرجعوا يوم يرجعون بإيمان أقوى وإسلام أكمل وعقيدة في الله أثبت، وإرادة في العمل أصلب، ونزعة في الأخوة أعرق، وعزيمة في التعاون أصدق ... ومع ذلك كله شيء من العلم مهما يقل فإنه أنفع.
إن مجتمعنا- كغيره من المجتمعات- فيه الصالح والطالح، والطيّب والخبيث، وهذا شيء نعلمه عن إخواننا كما يعلمونه عنّا، لأنه قدر مشترك بين الجماعات البشرية، ولكن الذي يندب إليه الدين، وتقتضيه المصلحة ويستحليه الذوق السليم في مثل هذه القضايا التى