للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلام بمعناه الكامل في النفوس، ومعناه الكامل هو عقائده النقية، وعباداته المأثورة، وفضائله المصلحة للبشر، وآدابه المقوّمة للنفس، وأحكامه الحافظة للحقوق حين يقدر على ذلك، ويكمل ذلك كله معرفة بسيَر رجاله تصحّح القدوة، ودرس لتاريخه يصوّر المجد.

ومن عهود جمعية العلماء مع الله أن تنشئ مجتمعًا إسلاميًا يشارف السلف في عقائده وعباداته وأخلاقه وصلته بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وقربه من الله، وأن تسلك لذلك طريق التربية قبل طريق التعليم، لأنها تعلم أن العلم المجرد من التربية الصالحة لا ينفع، وقد يكون بلاء على صاحبه ووبالًا على الناس، كما هو مشهود في آثار العلوم الغربية في أصحابها وفي مقلديهم منّا.

وصفوة التفسير لمبدإ جمعية العلماء أن العلم وسيلة من وسائل الدين، وحسبه شرفًا أن الإسلام دعا إليه، ونوّه به، وحضّ عليه، وأن العربية لسان الدين المترجم من حقائقه، وحسبها شرفًا أن الله اختارها لغة لقرآنه، فلم تبقَ بعد ذلك لغة للعرب، ونحن نحبّها لأن الله أحبّها، وأن العرب قوم محمد والمجلي الأول لدعوته ولولا محمد لم يكونوا شيئًا مذكورًا، ولا نزيد على ذلك، وإذا كنا منهم اتصالاً في الأنساب، وتحدّرًا من الأصلاب، فما ذلك من كسبنا حتى يكون قربة تجر الأجر، أو مفخرة ترفع الذكر، وإنما يثاب العامل على كسبه ويفخر الفاخر بعمله.

هذا هو المنهج الذي نسير عليه، وهذا هو الغرض الذي نرمي إليه، لا غالين ولا مقصّرين، وإجماله- للتوضيح- أننا نطلب العلم لإحياء الإسلام، ونقرأ العربية لفهم الإسلام، ونلوذ بأكناف الشرق العربي لأنه مطلع النبوّة ومنبت الإسلام، ولأنه القطعة المتّصلة من الأرض بالسماء، فالبدء- كما ترى- من الإسلام، والانتهاء إلى الإسلام، وبين البدء والنهاية مجالات لنفوس عامرة بالإيمان وآثار الإيمان.

أما المفردات التي أصبح أبناؤنا يلوكونها مجردة من الإضافة إليه، من علم، وثقافة، وعروبة، ووطن، فنحن نعدّها وقوفًا على "ويل للمصلّين".

وأما النتائج المحققة- التي نكاد نراها بالعين ونلمسها باليد- لهذا السلوك الذي وفّقنا الله إليه، فقد تضمّنها الوعد الكريم في قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}.

...

يحزننا أن ينحرف الفهم عن الإصابة فينحرف العمل عن الإفادة، ويحزننا- أكثر من ذلك- أن يبدأ الانحراف من هذا الجيل الذي كوّناه بأيدينا وصنعناه على أعيننا، ورجونا أن

<<  <  ج: ص:  >  >>