للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكما يعرف الأستاذ دراز عن جمعية العلماء كثيرًا تعرف هي عنه أكثر، وليست معرفة جمعية العلماء به جديدة بل ترجع إلى تاريخ نشأتها، فالسابقون الأولون من رجالها يعرفون مواقفه في الثورة المصرية ١٩١٩ ويعرفون شذوذه عن صنفه في اقتحام السياسة واصطلاء نارها ومزاحمة رجالها بمنكب قوي، على حين كان ذلك معدودًا عند علماء الدين نوعًا من الابتداع أو الابتذال، وقد انتخبه المجلس الإداري لجمعية العلماء الجزائريين بالإجماع رئيسًا شرفيًا لها منذ سنوات مع من انتخب لذلك من علماء الإسلام، فإذا تكلم عن جزئية دقيقة من الجزئيات الخاصّة بجمعية العلماء وعلاقاتها الداخلية فكما يتكلّم صاحب الدار عن داره أو كما يتكلم الشريك في علائقه مع شركائه.

...

وأبدأ ... فأشكر للأستاذ الجليل تفضّله بهذه الملاحظات الخالصة، وأؤكد له أن موقعها مني بالخصوص كان موقع صدقة المؤمن الكريم من الفقير إليها، كما أحمده بقلبي ولساني وكل جوارحي على هذا التقدير الجميل لرجل من رجال جمعية العلماء ومفخرة من مفاخرها، تعده- وان قصرت في حقّه- جيشًا لا رجلًا، وعقيدة مجسّمة لا شخصًا، وأَعتبر أن هذا التقدير مصروف لجمعية العلماء في شخص قطب من أقطابها وسابق من سباقها.

وأشكره شكرًا مكرّرًا على هذا النوع اللطيف من العناية بجمعية العلماء في معرض يتراءى بلونين، عتاب وتقرير، وبأسلوب يبدو بصبغتين، نصح وتقدير، وهذه طريقة لا يحسن مثلها إلا أمثال الأستاذ حفظه الله.

أما ما نعاه الأستاذ الكبير علينا متفضلًا فهو حق لا شك فيه، وأنا المسؤول الأول عنه بحكم رئاستي لهذه الحركة التي وجّه الأستاذ إليها لومه وعتابه، فكما أتحمّل على إخواني واجباتها بقدر استطاعتي أتحمّل مسؤولياتها بما فوق استطاعتي، وقد أوقعنا الشاعر- سامحه الله- في الحرج بقوله:

وإن رئاسة الأقوام فاعلم ... لها صعداء مطلعها طويل

أقدّم بين يدي تعليقاتي الاعتراف بالتقصير في الاهتمام بالأستاذ الفضيل وأقرّر للحق والإنصاف أنه طالما وخزني ضميري حينما أشعر بهذا التقصير في المواقف التي يجب فيها الاهتمام به كأيام محنته، فأبثّ مَن حولي من الإخوان هذا الشعور فأجد شعورهم مساوقًا لشعوري. وكل ما أذكره الآن من المعاذير- على ضعفها- هو الغفلة والتواكل والاعتماد على ما في القلوب والاطمئنان إلى أن الفضيل غني بالقلوب المحيطة به وبالنفوس المهتمّة بشأنه، وربّما خطر في بال أحدنا أننا أحوج إلى اهتمامه بنا منه إلى اهتمامنا به.

<<  <  ج: ص:  >  >>