لذلك كان من الخير الذي تسبّب فيه الأستاذ الجليل أن أتعجّل لإخوان الجزائر الكشف عن بعض جهات الفضيل في هذه المرحلة الثانية من عمره العملي، وهي الجهات التي قد يخطئ فيها وهم الواهمين في أدنى مراتب الوهم وتصوّرات الغالين في أقصى مراتب الإفراط، من أن ملابسته للطبقات العالية أَعْدَتْه بالتعالي، وأن الثروة وخفض العيش أنسياه بلاده، وأن كثرة المحيطين به أنسته أهله، وحديث الثروة حديث مستفيض في المغرب وبعض المشرق، كحديث خرافة، وله دافع طبيعي وهو تعلّق النفوس بالغنى، ولا أقل من الحديث عنه، ويذكي هذا الدافع الطبيعي فينا- معشر الشرقيين- طبيعة المبالغة من غير تحفّظ وأنا من أكثر الناس امتزاجًا بالطبقات كلها في الجزائر لأنها ميدان عملي، فأنا- لذلك- من أكثر الناس فهمًا لنفسياتها، وقد تجد في الطبقات الوسطى من ينطوي لك على تعظيم لا يحد، يجاوره في نفسه وهن يناقض ذلك التعظيم، لو وزن بالميزان العلمي، ولكن هذا التناقض واقع في هذه النفوس لا ينكر ولا يدفع، فإذا عثر عنه العامي أخرجه في معرض متردّد بين الدلال والعتب مثلًا فغطّى عليه، وفي الذين يجلّون الفضيل ويحبّونه نفوس تجمع مع حبّه اعتقادًا أنه ألهاه التكاثر وأنسته الجماعات الحافة به أهله، وهل تجمع المحبّة والإجلال مع هاتين النقيصتين؟ إنهما مما يرمي به العدو عدوّه ولكن ما ذكرته واقع مشهور، وفي النفوس غرائب تجليها التجارب، وان لم يستطع علم النفس تعليلها.