للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيها القوم العائبون على الإسلام ... لا تنهوا عن المنكر الجزئي حتى تنتهوا عن المنكر الكلي ... واذكروا ما هو محسوب عليكم وعلى حضارتكم من المتناقضات الشنيعة، وأشنعها أنكم استعبدتم شعوب أفريقيا كلهم نساءها ورجالها وأطفالها أبشع استعباد وقع في التاريخ، ثم جئتم تتباكون على مئات منهم نقلوا من الاستعباد الغاشم إلى الاستعباد الراحم، ومن الاستعباد الذي يجيع البطون، ويعري الظهور، ويخرج من البيوت- إلى الاستعباد الذي يشبع ويكسو ويؤوي، وبعبارة أجمع ... من الاستعباد الذي يميت إلى الاستعباد الذي يحصي ... ومن استعباد لا ضمير له، ولا إنسانية فيه، ولا رحمة معه، إلى استعباد كله ضمير وإنسانية ورحمة ... ومن استعباد حقيقي إلى شيء ليس فيه من الاستعباد إلا اسمه.

لقد فضحكم الله بشيء أعماكم الغرور عن التبصّر فيه، فكانت افريقيا هي الفاضحة. إن قانونكم الذي تتبجّحون به كان منصبًا على افريقيا، وكانت هي المعنية به، إذ كانت سوقًا لتجارة الرقيق ... ثم كانت هي هدفكم ومزدحمكم في الاستعمار فلم يبقَ منها شبر ولا شخص إلا وهو خاضع لسلطانكم الظالم الغاشم.

أما أن هؤلاء الأفريقيين لو فرّوا من وجوهكم- إذ لم يستطيعوا صفعها- ليكونوا عبيدًا للمسلمين لكانوا أعقل العقلاء، لأن ما يلقاه العبد في الشرق الإسلامي من سيد عات عنيف جبّار، لا يساوي عشر معشار الشعوب المستعبدة من حكوماتكم المتحضرة وظلم السيد المسلم العاتي لعبده يعد رحمة في جنب الظلم الاستعماري، على أن ظلم السيد المسلم لعبده يعد جريمة توجب عتقه رغمًا عليه في حكم الإسلام، أما المظالم المسلطة منكم على هذه الشعوب فهي جرائم جماعية، تتفق عليها حكومات متحضرة، وتسنّ لها القوانين من البرلمانات، ويزيّنها الفلاسفة والعلماء، ويحثّ عليها الخطباء، ويتغنّى بها الشعراء، وتجبى لها الأموال من الخاصة والعامة عن طوع واختيار، كما تجبى لسبل الخير العام.

أيها القوم: إنكم بهذا التجنّي على الإسلام تريدون أن تشغلوا المسلمين بالباطل عن الحق، وتسكتوهم بالاستعباد الموهوم عن الاستعباد المحقق، وبقضية الآحاد عن قضية مئات الملايين ولكنهم لا يسكتون ...

سمعنا كثيرًا عن غرائب التطورات، ولكننا لم نسمع أن إبليس أصبح واعظًا مذكرًا يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر حتى رأيناه رأي العين، ولكن هل يصدق العقل ما تراه العين وتسمعه الأذن من هذا؟

يتلخّص هذا العرض المختصر في نقط:

أولأ: أن الإسلام لم ينشئ الاسترقاق ولم يشرّعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>