للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيكون حظ الناشر من الدعاية أكبر من حظ المنشور، والبضاعة الثمينة لا تباع بالمناداة، وسيان عندي في السخافة والضعة مَن نشر من هؤلاء كتابًا وسمّى عمله فيه تحقيقًا ومَن طبع كتابًا من كتب المعرّي وكتب على ظهره (حقوق الطبع محفوظة لذرية المؤلف من صُلبه).

...

وأخي الأستاذ الميمني من أعرف الناس بذلك النوع الذي كان يجري بين العلماء والأدباء من أسلافنا وخصوصًا بالأندلس من تردّد الرسائل بينهم في موضوع علمي أو أدبي، ويطلقون عليه اسم (المراجعة)، وقد شاع هذا النوع واختص بمبادئ وخواتيم وملامح كادت تفرده عن بقية الأنواع كالأخوانيات وغيرها، ومن أمثلته بين علماء الشرق ما وقع من مراجعات بين المعرّي وداعي الدعاة، ورسالتي هذه إلى أخي الأستاذ هي احتذاء لذلك النوع وإحياء له وفتح لبابه، فليحملها على محمله، وليسمها باسمه، وليضع اللبنة الثانية في بنائه، ويقيني أن لأخي الأستاذ من سعة الصدر ما ينقل هذه المراجعة من باب التنبيه إلى باب التنويه، وأن له من حرية الرأي ما جعله يقول كلمة الحق في سيبويه وأنصاره المؤولين لخطأه في تلفيق بيت "فلسنا بالجبال ولا الحديدا"، فأتى بها شاهدًا مجروح الشهادة، وكلمة الحق في العلم ككلمة الحق في الدين، كلتاهما سابغة الأثواب، مرجوة الثواب.

...

جرى على لساني في أول اجتماع سعدتُ فيه بلقائكم إنشاد بيت مشهور لسحيم عبد بني الحسحاس وهو:

أشْعارُ عَبْدِ بني الحَسْحَاسِ قُمْنَ لَهُ ... يومَ الفَخار مقام الأصْل والوَرقِ

ورويتُ (الورَق) بفتح الراء، لا لأنني أحفظه هكذا بل لأنني أفهمه هكذا، وعادتي أنني أحكّم الفهم في الحفظ لا العكس، ولست أنكر كسر الراء ولا أجهل معناه، وقد سمعتُ مئات من الأدباء ينشدونه بالكسر وكنت أناقشهم فيه برأي الذي سأبيّنه في هذه الكلمة فيرجعون إلى الحق.

بادرتم أيها الأخ الفاضل إلى رواية البيت بكسر الراء، وفسرتم الورِق بمعناه المعروف وهو الفضة وزدتم عليه الرقة، وكأنكم توهمتم أنني لا أعرف الورِق بالكسر ولا أعرف معناه، فقرأت عليكم آية الكهف دفعًا لذلك التوهم ولكنكم لم تسمعوني، كما أنشدتكم قسمًا من الرجز شاهدًا على المعنى الذي قصدته، وهو قول الراجز: اغفر خطاياي وثمر ورَقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>