للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورائهم المسلمون لم يُؤْخذوا فيها على غرة. بل كانوا يحيطون علمًا بنيّات اليهود ومطامعهم في إقامة دولة في أرض الميعاد، وتحقيق حلمهم القديم الذي تزوّدوا به من يوم خرجوا من فلسطين أذلة صاغرين في سبي بابل، وما زالوا يغذون أبناءهم جيلًا بعد جيل بعودة ملك إسرائيل إلى بنيه، ويسندون أوهامهم فيه إلى نصوص دينية ووعود إلهية على لسان بعض أنبيائهم افتراها أحبارهم، وأيّدوها بتلك الوعود المصطنعة لترسخ في مستقر العقائد من أبنائهم ويتوارثونها فيما يتوارثون.

...

إن أجدادنا لم يأخذوا فلسطين من يد اليهود وإنما أخذوها غلابًا من أيدي الروم وحرّروها من استعمارهم، وفي تحريرها تحرير لليهود أنفسهم، فماذا ينقم اليهود منا؟ ولماذا ينتقمون منا؟، ولماذا يجزون إحساننا لهم بالإساءة، ولماذا يستعينون علينا بأعدائنا وأعدائهم. إنه اللؤم المتأصل، والأنانية المركبة في الطباع المريضة، إن اللؤم قرين الضعف ودليله، فحيث ترى ضعف الطباع ترى لؤم الطباع، وقد جرت الدول الإسلامية في تاريخها الطويل على معاملة اليهود بالحسنى، معاملة إلّا تكن معاملة عُمَرية فهي بمقربة منها إلا في الفرط والندرة حينما ينقض اليهود عهدًا أو يظاهرون عدوًا، وما أكثر ما يقع منهم ذلك لأنه طبيعي فيهم لا يكادون يصبرون عليه. ولقد كانوا يعيشون عند الاحتلال الفرنسي للجزائر مع العرب المسلمين معززين مكرمين ويزيدون عليهم باحتكار التجارة وبعض الصنائع وبالبراعة في طرق الاقتصاد، وكثير منهم دخل الجزائر مع الجاليات الأندلسية التي اختارت الجزائر وطنًا لها. ولم يلقوا من الحكم الإسلامي إلّا الرفق والإحسان، ولكنهم ما كادوا يخالطون الفرنسيين حتّى تنكّروا للمسلمين فقبلوا الجنسية الفرنسية دفعة واحدة بقانون كريميو ( CREMIEUX) الوزير اليهودي المشهور، ومنذ أصبحوا يتمتعون بالجنسية الفرنسية ازداد تنكرهم للمسلمين وتفاقم شرّهم، وازدادوا جرأة على سلب أموال المسلمين وتفقيرهم تحت حماية القانون الفرنسي، وما ضمتهم فرنسا إلى جنسيتها إلّا لتحقيق الغرض الاستعماري الذي لا يقدر أحد قدرتهم عليه.

...

التاريخ في سلسلته الزمنية الطويلة يشهد أن بني إسرائيل لم يكن لهم ملك مادي في فلسطين ولا في غيرها كالذي تتأثله الأمم بالقوة والغلبة، وإنما كان لهم في فلسطين وما حولها من أرض الكنعانيين سلطان ديني أساسه النبوات، تسانده من القوة المادية ما تحتاج إليه الدعوات الدينية عادة، وما يظهر به ذلك السلطان الديني من مظاهر الملك المادية،

<<  <  ج: ص:  >  >>