للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزائري بارز الخصائص والمقوّمات، لم يعترف ولن يعترف بالواقع الاستعماري، وقد قاومه مقاومة مسلحة متواصلة عشرات السنين في سلسلة طويلة من الثورات من سواحل البحر الأبيض إلى تخوم الصحراء الكبرى، وإن أسماء الأمير عبد القادر بن محيي الدين والحاج أحمد المقراني وبو عمامة وغيرهم من أبطال الثورات وقادتها ما زالت خالدة مجيدة، عامرة بصفحات البطولة، وما خفتت المقاومة المسلّحة حتى انتقل الشعب الجزائري إلى ميدان السياسة والمطالبة بحريّته واستقلاله من طريقها، ولم يسكت يومًا واحدًا، ولم يرض دقيقة واحدة بالوضع الاستعماري: فكيف يكون وطنه قطعة من فرنسا؟ وها هو اليوم يحمل السلاح ليكذب تلك الفرية وليحصل على الحياة الحرّة الكريمة.

ولكن فرنسا بمحاولتها بسط سلطانها الاستعماري، وإنكارها كل حق في الحياة للشعب الجزائري، كانت دائمًا تجيب بسلاح القوّة على مطالب الشعب الجزائري ومطامحه المعقولة المشروعة، وفي الأيام الأخيرة تجرّأت حكومة فرنسا غير متردّدة وحدّدت موقفها الإجرامي بلسان أحد وزرائها المسؤولين، عندما صرّح بأن المفاوضة الوحيدة التي يمكن أن تجريها فرنسا في الجزائر هي الحرب ...

وما دَرَى أن هذا التصريح هو التكذيب القاطع لدعوى دولته أن الجزائر ثلاث مقاطعات فرنسية.

إن النظم الاستعمارية التي أكره عليها الشعب الجزائري تستمد براهينها من تلك القاعدة الحيوانية وهي أن الحق للأقوى، ومن هنا يتضح أن الادّعاء الاستعماري بأن الجزائر ثلاث مقاطعات فرنسية هو ضرب من الغش والتضليل والبهتان، ذلك بأن الوقائع والحقائق والقوانين الفرنسية نفسها تدحضه وتسفهه، فإن ما يطبّق من التشريعات الفرنسية بالجزائر رسميًّا مبني على أساس عنصري بغيض من وجود طبقتين: سادة ومسودين، ونوعين من المواطنين: أعلى وأدنى، ومكتبين انتخابيين لا يمتزجان: مسلم وأوروبي، وإنها لنظم تشهد بتكذيب تلك الدعوى، ويزيد في شناعتها ما ترتكبه الإدارة الاستعمارية من سوء التطبيق، وأشنعه التزوير العلني في انتخابات المجلس الأهلي.

على أن وجود مجلس جزائري خاص، واستقلال مالية الجزائر، وإدارة شؤون الدين الإسلامي من طرف الإدارة الفرنسية، وبسط السلطة العسكرية على نصف القطر الجنوبي، ووجود حواجز جمركية بين الجزائر وفرنسا، كل أولئك أدلة ووقائع لا تنكر، تدحض تلك الدعوى المضلّلة.

ومن هنا كانت النتيجة الحتمية الطبيعية للسياسة الفرنسية، المشبعة بروح الاحتقار والاستفزاز والعداء، أن يحمل الشعب الجزائري السلاح ليدافع عن حرّيته وحقوقه في الحياة الإنسانية، حين لم يجد سبيلًا آخر للمفاهمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>