للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الدماء- يا حضرات السادة- تسيل اليوم أودية في الجزائر، ومنذ فاتح شهر نوفمبر سنة ١٩٥٤ تنقل فرنسا عشرات الآلاف من جنودها للجزائر من وطنها ومن ألمانيا ومن الهند الصينية، ليقاتلوا المجاهدين الجزائريين، ويقوموا بعمليات قمع شنيعة وحشية رهيبة، تساندهم فيها القوات المصفحة وقوات الطيران، ولم تقتصر هذه القوات على قتال المقاتلين، بل معظم فتكها موجّه إلى النساء والأطفال والشيوخ والعزّل، وإن ما يرتكبه الجيش الفرنسي اليوم في الجزائر من مآسٍ وفظائع يفوق حدّ التصوّر، وما يجري في محاكمها من أحكام السجن والتغريم أكثر من ذلك، والجرائد الفرنسية ناطقة بالكثير من ذلك، ولنضرب لكم قليلًا من الأمثلة دليلًا على ما يقاسيه الشعب الجزائري من أهوال وويلات على يد الجيش الفرنسي.

ففي ناحية قرية "فم الطوب" في جبال أوراس زجّ بالشيوخ والنساء والأطفال في كهوف أحد المناجم المهجورة وأضرمت فيها النيران حتى ماتوا اختناقًا بالمادة التي في الدخان، وفي قرى "زلاطو" و "أشمول" و "يابوس" امتدّت أيدي الجنود الآثمين إلى العذارى فانتهكوا حرماتهن، وجرّدوهنّ من الثياب، ثم قتلن شرّ قتلة ببقر بطونهن بالخناجر والحراب أمام ذويهن.

وفي قرية "أريس" هاجمت دبابة عسكرية يوم ٢٣ فبراير الأخير طفلًا لم يجاوز السابعة من العمر فخلطت أجزاءه بالتراب نكاية في الشعب وتفننًا في إلقاء الرعب في القلوب. وفي يوم ١٨ يناير الماضي من هذه السنة أخذت يد العدوان نحو مائة وخمسين ما بين سيدة وشيخ كرهائن، ثم عادت فقتلتهم في فجر اليوم الثاني ذبحًا.

وهناك كثير من المساجين السياسيين اختطفوا من السجون ليصرعوا غيلة في الفيافي والقفار، إن هذه الفظائع لتذكرنا بأمثالها مما كان الجيش الفرنسي يرتكبه في الجزائر في حملته الأولى عليها سنة ١٨٣٠ وما تلاحق من سنيّ المقاومة الشعبية، حتى تنتهي بنا إلى مذابح شهر ماي سنة ١٩٤٥ التي أباد فيها الفرنسيون من مدنيين وعسكريين أكثر من خمسة وأربعين ألف مسلم عربي جزائري، وإلى الحملات الإرهابية في جبال القبائل سنة ١٩٤٧ وإلى ما جرى من مثل ذلك في قريتي "دعشمية" و "شامبلان" سنة ١٩٤٨، وتذكّرنا في الأخير بما جرى من عمليات الإبادة في "دوار سيدي علي بوناب" سنة ١٩٤٩، وبما جرى في مذبحة جبل الأوراس سنة ١٩٥٢، ومقتلة "بلدة الأصنام" في السنة نفسها، ومؤامرة باريس سنة ١٩٥٣. ولا نندفع في ضرب الأمثلة بعد هذا فإنه شيء طويل.

وسط هذه الأحداث الدامية تبلورت مقاومة الشعب الجزائري وتطورت حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، وهي تكاد تنتظم الشعب كله، ولا عجب إذا عمّ الظلم أن تعمّ الثورة

<<  <  ج: ص:  >  >>