الاجتماع البشري، ولكنه ليس خيرًا محضًا ولا صلاحًا سرمدًا، وإنما هو شر أحسن حالاته أن يدفع شرًا آخر.
ومما وقر في نفوس البشر أن بعض الشرور لا تدفع بالخير ولا تنقصم إلّا بشر آخر. وإذا كانت الأحكام على الأشياء إنما هي بعواقبها وآثارها فإن الشر الذي يدفع شرًّا أعظم منه يكون خيرًا كقطع بعض الأعضاء لإصلاح بقية البدن، وكقتل الثلث لإصلاح الثلثين كما يؤثر عن الإمام مالك، قال تعالى:
ففي قوله تعالى:"يُقَاتَلُونَ" وفي قوله: "بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا" وفي قوله: "الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ" بيان للشروط المسوغة للحرب في الإسلام تحمل عليها نظائرها في كل زمان.
شرعت الحرب في الإسلام أي أذن فيها بدستور كامل للحدود التي تربطها وتحدد أولها وآخرها، وتخفف من شرورها، وتكبح النفوس على الاندفاع فيها إلى الخروج عن الاعتدال وتعدي الحدود.
وإذا كان الإسلام الذي هو آخر الأديان السماوية إصلاحًا عامًا لأوضاع البشر فإن أحكام القتال فيه إصلاح وتهذيب لمسألة طبيعية فيهم وهي الحرب. ان أحكام الحرب في الإسلام مثال غريب في تاريخ العالم: ماضيه وحاضره يصور الحرب عذابًا تحفّه الرحمة من جميع جهاته ويتخلله الإحسان في جميع أجزائه، ولو وازناها بالقوانين المتبعة في الحروب إلى يومنا هذا، وقارنا أسبابها في الإسلام ببواعثها اليوم لوجدنا الفروق أجلى من الشمس.
ولو لم يكن من مظاهر العدل في الإسلام إلّا قوانينه الحربية لكان فيها مقنع للمنصفين باعتناقه، ذلك أن الحرب تنشأ عادة عن العداوات والمنافسات على المصالح المادية، والعداوة من عمل الشيطان، يوريها بين أبناء آدم ليرجعوا إلى الحيوانية الضارية التي لا عقل لها، ولا رحمة فيها، ولا عدل معها، فجاء الإسلام بتعاليمه السامية المهذبة للفطرة المشذبة للحيوانية فحددت أسباب الحرب وأعمالها تحديدًا دقيقًا، وحرمت البغي والعدوان، وقيدتها بقوانين هي خلاصة العدل ولبابه حتى كأنها عملية جراحية تؤلم دقائق لتترك الراحة والاطمئنان العمر كله.
حرم الإسلام التعذيب والتشويه والمثلة في الحرب، أوصى بالأسرى خيرًا حتى جعل إطعامهم والإحسان إليهم قربة إلى الله، أمر بألّا يقتل إلّا المقاتل أو المحرض على القتال، أو