للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المظاهر على المسلمين، نهى وتوعد عن قتل النساء والصبيان والشيوخ الهرمى والقعدة والرهبان المنقطعين في الصوامع. نهى عن عقر الحيوان المنتفع به، نهى عن إتلاف الزرع وإحراق الأشجار وقطعها، وما وقع ليهود المدينة إنما هو تصرف خاص لحكمة، لا تشريع عام للتشفي والانتقام، ووصية أبي بكر- رضي الله عنه- للجيش هي الكلمة الجامعة في هذا الباب، وهي التطبيق العملي لمجملات النصوص من الكتاب والسنة.

وما نسبة هذه الأحكام والآداب التي جاء بها الإسلام من قبل أربعة عشر قرنًا إلى ما يجري في حروب هذا العصر الذي يدعونه عصر النور والعلم والإنسانية والمدنية إلّا كنسبة نور النهار إلى ظلمة الليل. أين ما يرتكب في حروب هذا العصر المدني من تقتيل النساء وبقر بطونهن على الأجنة، ومن قتل الصبيان والعجزة، وهدم البيوت بالقنابل الجوية والمدافع الأرضية على من فيها، ومن هدم المعابد، ومن تسميم المياه والأجواء، وإحراق الناس أحياء، إلى القنبلة الذرية التي لا تذر من شيء أتت عليه إلّا جعلته كالرميم؟

أين هذه الموبقات من تلك الرحمة الشاملة التي جاء بها الإسلام، والإسلام يعتبر السلم هو القاعدة، والحرب شذوذ في القاعدة، لأن الإسلام دين عدل ورحمة وعمران وعصمة في ما يسميه علماء الإسلام بالكليات الخمس وهي: الدين والعقل، والعرض والمال والنسب.

والدين هو ملاك التهذيب النفسي، والعقل هو قسطاس الآراء التي تقوم عليها الحياة، والعرض هو مقياس الشرف الإنساني، والمال هو قوام الحياة، والنسب هو مناط الفخر، وملاك القوميات والنظام التفاضلي والتنافس المحمود، فإذا انهارت هذه الكليات ارتكست الإنسانية وتردت إلى الحيوانية، فحاطها الإسلام بحصون من الأحكام المنيعة.

ولحرص الإسلام على السلم جاءت آية الانفال آمرةً بالجنوح له كلما جنح له العدو حتى لا يسبق المسلمون إلى فضيلة.

والإسلام يأمر بالوفاء لذاته، ويجعله من آيات الإيمان، وينهى عن الغدر، ويجعله شعبة من النفاق، يأمر بالوفاء حتى في الحرب التي هي مظنة الترخيص في الأخلاق، والتساهل في الفضائل، يقول تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ}.

ويقول في وجوب انتصار المسلم للمسلم: {إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ}، ويقول: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}. هذه هي آداب الحرب في الإسلام وأعماله،

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>