للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومحا الدولة الحفصية من الوجود وقطع طمع الطامعين في إرثها، وانتظمت هذه الشطوط التي تبتدئ من القسطنطينية في مملك واحد.

وتولّى ولاية الجزائر- بعد موت حسن آغا- حسن باشا بن خير الدين، من سنة ١٥٤٤ ميلادية إلى سنة ١٥٥٢ ولم تزل من آثاره في مدينة الجزائر قلعة تُعرف (بحصن الآمبرور) (١)، ثم استدعي إلى دار الخلافة بأمر الدولة.

فتولّى ولاية الجزائر بعده صالح رايس من سنة ١٥٥٢ ميلادية إلى سنة ١٥٥٦، فزاد في رقعة الولاية قطعًا ثمينة اتسعت بها: أضاف إليها صحراء المقاطعة القسنطينية، ومدنها التي كانت مراكز إمارات صغيرة من بقايا المرينيين وغيرهم، وهي: تقرت وورقلة (وارجلان) المذكورة في حديث الدولة الرستمية، وهذا الوالي هو الذي قضى على بقايا الزيانيين ودولتهم بتلمسان، وضمّها إلى الجزائر، وهو أول من غزا المملكة المراكشية من الولاة الأتراك، في عهد ملوكها السعديين، فهاجمهم برًّا وبحرًا، ونصب في فاس ملكًا من أعقاب المرينيين، وما هذه المحاولة إلا تحقيق لأمنية كانت تنطوي عليها نفسا القائد الأكبر بابا عروج وأخيه خير الدين، وقربها ما تسنّى لهما من الفتوحات المظفّرة. هذه الأمنية هي أن يضما المملكة المراكشية إلى ممالك الشمال الافريقي التي أنقذوها من الاستعمار اللاتيني، وهما يرميان بذلك إلى غرضين: الأول إلحاقها بالدولة العثمانية دولة الخلافة، والثاني قطع أطماع الإسبان فيها، ولعلّ لهما غرضًا آخر أشرف، ينتج عن النجاح في هذه المحاولة، وهو إعادة الكرة على الأندلس، والأخذ بثارات الإسلام من الإسبان، وهذه الكرة لا تتصوّر في ذلك الحين إلا باجتماع مراكش والجزائر وتونس في يد كيد بابا عروج وأخيه، وإدارة عسكرية موحّدة كإدارتهما، وقيادة كقيادتهما، ذلك لأن الإسبان تمرّسوا بهذه الدول التي نشأت بالمغرب الإسلامي في جميع عهودها، ونزعت هيبتها من نفوسهم من لدن يوسف بن تاشفين وعبد المؤمن وأبي الحسن، وما أقدم الإسبان على ضربتهم التاريخية الجريئة لمسلمي الأندلس إلا بعد أن استيقنوا أن هذه الدويلات لم تبق فيها فضلة إنجاد لِمستصرخ.

إن ايمان الرجلين مضافًا إليه ما تحدثه الانتصارات المتوالية في نفوس القوّاد الشجعان، لا يبعد بهما عن هذه (التهمة) تهمة العزم على استرجاع الأندلس إلى حظيرة الإسلام، أما كونها كانت أمنية لهما فهذا ما نتحقّقه لأنها كانت أمنية كل مسلم على وجه الأرض. ولقد تجدّدت محاولة إلحاق مراكش بالممالك العثمانية مرّة أخرى من والٍ آخر من ولاة الجزائر، وهو قائد رمضان، بعد هذه المحاولة ببضع وعشرين سنة، ولكنها لم تفلح، ثم لم تتكرّر المحاولات الجدية بعد ذلك.


١) حصن الآمبرور: حصن الامبراطور، ويسمّى قلعة مولاي حسن، وهو ابن خير الدين بربروس. والامبراطور المقصود هو شارل الخامس الذي أغار على الجزائر سنة ١٥٤١، وهزم هزيمة ساحقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>