للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحبها مستعفيًا بإكراه في صورة اختيار، ولا تكتفي بهذا في عقابه، بل تسجّل عليه سخطها وغضبها، حتى يتوب ويسعى في استرضائها من جديد.

كل هذا التفاوت بين عدد النوّاب يقابله تفاوت عكسي في عدد المنتخبين (بالكسر) فهذه الأقلية من النوّاب تمثّل عشرة ملايين جزائريين، وهذه الأكثرية الساحقة منهم تمثّل أقلية من الأورييين لم تجاوز المليون إلا في السنوات الأخيرة، ولكنه العدل الفرنسي، والمدنية الفرنسية، والحرية الفرنسية التي ملأت العالم.

واحكموا أنتم في تلخيص القضية على هذه الصورة ... إذا كان عدد النوّاب الأهليين في المجالس النيابية بالجزائر لا يساوي عدد النوّاب الأوربيين كمًا ولا كيفًا ولا حرية، فأي خير يكون للجزائريين أو يرجى لهم من هذه الانتخابات؟ أوَلا يكون صحيحًا ما وصفتها به من أنها نكبة مدبّرة متعمّدة من الاستعمار لما يعلم من آثارها في مصلحته؟ مثله أن تقول لعبدك: أنت حر في تصرفاتك، ولكن يجب عليك أن لا تفعل شيئًا ولا تتحرّك ولا تسكن إلا بإذني.

النظام الانتخابي في النيابات إنما يكون مفيدًا ونافعًا ودليلًا على الحكم الشوروي وإثبات سلطة الأمة في الأمم التي استوفى أفرادها حريتهم، وتقاربت ثقافتهم باشتراكهم في المعارف العامّة، واتّحدت مصالحهم، وكان لكل واحد منهم حظ ثابت في تلك المصالح، وسوّت الحرية بينهم في طرد الانتخاب وعكسه، فكل من ينتخب ينتخب، أما فيما عدا هذا كما هي حال الجزائر مع فرنسا، فإن الانتخاب والنيابة وما أشبههما من هذه الألفاظ التي ليس لها مدلول إنما هي خداع من القوي للضعيف ليأكله بفتوى، ويقتله بحجة، ويستعبده إذا استبقاه بحكم.

وإذا كان الشر ينطوي على شيء من الخير، أو يكون في بعض الأوقات أو بعض الجوانب خيرًا، فإن من جهات الخير في هذه الانتخابات التي يمنّ بها الاستعمار على الجزائريين أنها تدريب لهم وشحذ لأذهانهم، ونوع من الارتياض على المقاومة، وكشف صريح عن مساوئ الاستعمار ونيّاته، وتمرّس عملي برجاله، وتمرين على أساليب الدعاية، وقد أصبح الجزائريون اليوم من أحذق الناس بتسيير الانتخابات وحيلها والدعاية لها، وهو في جملته خطوة أولى عرجاء سيقوّمها استمرار الزمان وتزايد الشعور وإلحاح المطالبة ويسدّدها، وقد يقول الراضون عنها: ما دمنا في الجهاد والمغالبة مع خصم عنيد فهذه إحدى وسائله، والحق لا يؤخذ دفعة واحدة، ولا بدّ من المصابرة، ولكن الشر المحض فيه أنه أصبح فتنة للزعماء السياسيين وللأحزاب التي يقودونها، فصاروا يتهافتون عليه ويحتربون كاحتراب الأحزاب الفرنسية أو أشدّ، والأحزاب الفرنسية إنما تختلف في وجوه المصلحة لا في المصلحة نفسها، فهي محل اتفاق بينهم، على تباعد الطرفين، أما أحزابنا التي ليس في مصلحة الوطن أن تتعدد فإن تهافتها على الانتخابات مشغلة لها عن السياسة والاهتمام بها،

<<  <  ج: ص:  >  >>