للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبيان ذلك- مع الإيجاز- أن الاستعمار الفرنسي صليبي النزعة فهو- منذ احتل الجزائر- عامل على محو الإسلام لأنه الدين السماوي الذي فيه من القوّة ما يستطيع به أن يسود العالم، وعلى محو اللغة العربية لأنها لسان الإسلام، وعلى محو العروبة لأنها دعامة الإسلام، وقد استعمل جميع الوسائل المؤدية إلى ذلك ظاهرة وخفية، سريعة ومتأنية، وأوشك أن يبلغ غايته بعد قرن من الزمن متصل الأيام والليالي في أعمال المحو، لولا أن عاجلته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على رأس القرن بالمقاومة لأعماله، والعمل على تخييب آماله.

وما قامت هذه الجمعية إلا لإحياء الإسلام والعروبة والعربية التي صمم الاستعمار على محوها، وما نصرها الله في الجولات الأولى أضعف ما كانت، وأقوى ما كان خصومها، إلّا لأنها نصرت دينه وأحيت لغة كتابه، وما اشتد الاستعمار في مقاومة هذه الجمعية إلى يومنا هذا إلّا لعلمه بمقاصدها هذه، وأنها على النقيض من مقاصده.

فإذا قدر لهذا الاستعمار أن يبقى في الجزائر فإنه لا ينسى ما له من التِّرات عند جمعية العلماء، وسيوجه كل جهوده لمحوها من الوجود، وهو قادر على ذلك من الآن ولكنه يتربص بها الدوائر، ويتمنى أن تسقط وحدها، بسبب من الأسباب كالعجز المالي، حتى لا يبوء بجريمة أخرى يضيفها إلى جرائمه الكثيرة في حرب الإسلام والعربية والعلم، والجمعية تعمل لهذه الثلاث، وتتحصن بها، وتشنع على الاستعمار وتقيم الحجج الدامغة على أنه عدو للإسلام، عدو للعربية، عدو للعلم. وفي ظل هذا التشنيع الذي تنشره، وتحت النقع الذي تثيره على الاستعمار- متظلمة مستعدية صارخة بالحجج مهددة بإثارة المسلمين- تعمل جمعية العلماء أعمالها المدهشة في بناء العقول وفي بناء المدارس، وفي إثارة الأفكار.

والاستعمار الذي حاربته الجمعية وحاربها يعلم قوتها ورسوخ قدمها والتفاف الأمة حولها، ولكنه يعلم- أيضًا- أن قوتها المالية محدودة، وقوّة الأمة التي تسندها محدودة كذلك، وما دامت حركتها التعليمية في ازدياد، فحاجتها إلى المال في ازدياد وسيأتي يوم تقف فيه الحالة المالية، فينهار هذا البنيان الشامخ من المدارس والمعاهد.

هذا هو اليوم الذي يترقبه الاستعمار للعروبة في الجزائر، وهذه هي المشكلة الحقيقية للعروبة في الجزائر، وهذه هي العقبة القائمة في طريق جمعية العلماء الجزائريين حامية العروبة في الجزائر، وإذا كان الاستعمار يتوقع حل المشكلة على تلك الصورة التي يتمناها، فإن جمعية العلماء تتوقعها أيضًا وتخشاها.

وما زالت الجمعية تفكر في تلك العاقبة وتقدّر لها من الحلول كل ما يجول في الخاطر حتى رأت أخيرًا أن تتوجه إلى إخوانها العرب في الشرق شعوبًا وحكومات وأشخاصًا وهيئات، ليأخذوا بيدها ما دام في الأمر فسحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>