للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأطفال الضائعين تعترف الحكومة بوجوده وتسجله إحصاءاتها الرسمية، ولا تريد له أن يتعلم، لأنها تكتفي بإقناع الشرقيين بأنها "معلمة العالم" وأنها "قبلة العلم".

نقول الآن هذه هي مشكلة العروبة في الجزائر على الحقيقة، ويزيدها إشكالًا أن الحكومة الاستعمارية الفرنسية لا تريد حلها بعد أن كانت هي التي عقدتها، أتسفه نفسها؟ أتنسلخ عن طبيعتها؟ أيصبح إبليس ناهيًا عن المنكر يومًا ما؟ وإن جمعية العلماء لا تستطيع حلها، وإن كانت تريده، وتتمناه، لأنها لا تملك الوسائل اللازمة لحلها، وأم الوسائل المال.

...

فكر قادة جمعية العلماء في هذه النقطة وقدروا عواقبها، وأتبعوا الأيام نظرهم، وليسوا مدفوعين عن حسن النظر وبُعْده وصدقه، ووضعوا أيديهم على موضعها من سجل التفكير، وموقعها من جدول التقدير، وقالوا: "هنا المشكلة"، هنا المشكلة عند مَن يزن الأشياء بموازينها الصحيحة، لا ما سبق الحديث فيه، ولعب الخيال في مقارنته بمشكلات العروبة في الشرق، فخرج من المقارنة بأنّ مشكلتنا في الجزائر أيسر حلًّا وأسهل علاجًا، ولكن الدور الآن دور الحقائق والأرقام.

من الجائز أن تنضب الموارد الحالية بفعل الأحداث، ومن الأحداث ذهاب هذا الجيل المخضرم الذي يعتقد أن تعليم الولد كفارة ما فات أباه من العلم، ومنها توالي القحوط في أمة تعتمد في معيشتها على الزراعة، وقد شاهدنا أثرًا من ذلك في بعض الجهات.

فإذا وقع ذلك، وهو جائز قريب، كان من نتائجه سقوط المدارس، وضياع هذه الجهود.

وإذا أسقطت المدارس القديمة فكيف نطمع في اطّراد النهضة واستكمال الجهاز الكافل لتعليم مليوني طفل؟

وكانت نتيجة ذلك التفكير الطويل، والتقدير العميق اتفاق الكلمة على توجيه الوجه إلى الشرق العربي، وتنبيه الإخوان فيه- بعد تعريفهم بالحقيقة- على أنه قد وجب حق الأخ على أخيه.

اختارت جمعية العلماء للسفارة بينها وبين الشرق العربي رئيسها محمد البشير الإبراهيمي، كاتب هذه السطور، فطاف العراق والحجاز وسوريا والأردن ومصر ولبنان، وتردد على هذه الأقطار مرات في ثلاث سنوات، ولقي ملوك العرب ورؤساء حكوماتهم ووزراء معارفهم وجميع أهل الرأي فيهم، وأدى رسالته الخاصة والعامة أكمل تأدية.

<<  <  ج: ص:  >  >>