للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن الجذوة لم تخمد في النفوس، بل زادت التهابًا ظهر أثره في أخريات الحرب وعند انتهائها، فقد اندفعت الأمة إلى تشييد المدارس، وأتت من ضروب التنافس ما بعد العهد بمثله، وما ذكرنا بما كان يأتيه السلف الكرام.

وللجمعية الآن- بل للأمة الجزائرية- أكثر من مائة وخمسين مدرسة ابتدائية حرة رغم الاستعمار الفرنسي، يتردد عليها أكثر من خمسين ألف تلميذ من أبناء الأمة الجزائرية، بنين وبنات، يدرسون مبادئ لغتهم وآدابها، وأصول دينهم وتاريخ قومهم على برنامج يجمع ضروريات العلم وإيجابيات التربية الإسلامية القومية الوطنية الصحيحة، وقد تخرج منها في هذه المدة عشرات الآلاف، يحملون علمًا قليلًا ومعه فكر صحيح، وعقيدة قومية، ونظرة إلى الحياة سديدة، وكل هذه المدارس على طراز ونظام عصريين، ومعظمها رائع فخم، وكلها ملك للأمة وبمال الأمة، وكل هذه المعاني مما يبعث القوة ويرغم الاستعمار الذي لا يحترم إلّا القوة.

ثم شيدت الجمعية معهدًا ثانويًا كخطوة أولى للتعليم الثانوي، أنفقت عليه ستين ألف جنيه مصري وعمرته بألف تلميذ وعشرين أستاذًا، وهنا تبرز مشكلة العروبة الكبرى في الجزائر متجلية في ناحيتين:

الأولى: كيف نحافظ على الموجود من هذه المدارس، وليس لنا مورد مالي قار نعتمد عليه، والموارد الحالية لا يعتمد عليها، إذ هي عبارة عن اشتراكات شهرية بسيطة من طبقات الأمة الفقيرة المؤمنة، ورسوم تعليم شهرية من آباء التلاميذ، وتبرعات غير مضبوطة، ومقادير من الزكوات الشرعية غير مضبوطة أيضًا. فهذه الأنواع من الموارد هي التي يقوم عليها هذا الجهاز العتيد من المدارس ومئات المعلمين فيها، وكلها موارد معرضة للانقطاع، والحكومة تحارب منذ السنوات الأولى لاختِلالِه، فكيف نرجو منها أن تعين، والأوقاف الإسلامية مفقودة في الجزائر لأن الاستعمار الفرنسي صادرها ولم يفرق بين أموال الله وأموال الحكومة التركية المغلوبة.

وقد كانت الجزائر أغنى الأوطان الإسلامية بالأوقاف، وكان في مدينة الجزائر وحدها ثمانية آلاف عقار لم يبق منها ولا واحد.

الناحية الثانية للمشكلة: كيف نستطيع الاستمرار في إنشاء المدارس الجديدة مسايرة لرغبة الأمة، ومراغمة لسياسة الاستعمار، وانقاذًا لما يمكن انقاذه من مليوني طفل عربي مسلم، لا يجدون مكانًا في المدارس الحكومية ولا في مدارس جمعية العلماء، فهم مشردون في الحاضر، بلاء على الأمة في المستقبل، والحكومة لا تعلمهم لأن تعليمهم مناف لمصلحتها، وجمعية العلماء عاجزة عن تعليمهم لقصر مواردها. وهذا العدد الهائل من

<<  <  ج: ص:  >  >>