للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الاستعمار في أول أمره استغلالًا ومصلحة، وتسلّطًا وقهرًا، فأصبح في آخر أمره وعمره مرضًا وسعارًا، نهايته أن يقتل ويقتل.

وما دامت الأقوال لا غناء فيها للثورة الجزائرية، فليرح خطباء العربية وشعراؤها وكتّابها ألسنتهم وأقلامهم من التغني بالثورة الجزائرية وأبطالها، وليوجّهوا عنايتهم إلى التي هي أوفى بذمام الأخوّة، وهي مدّ الأيدي لإعانة أولئك الأبطال المجاهدين، في سبيل العروبة التي هي أم الجميع، والإسلام الذي هو دين الجميع، وإنما تكافأ الأعمال بالأعمال، لا بالأقوال، فإن قالوا ففي فتح الأبصار والبصائر على ما جرى وما يجري في أرض الجزائر، على أيدي الفرنسيين من أعمال وحشية، وفي التحذير مما وراءها من عواقب مخيفة.

إن إخوانكم المجاهدين الجزائريين، ومن ورائهم الشعب الجزائري كله، قد وقفوا في مرحلتهم الأخيرة، المتصلة بيومكم هذا عند دستور شوقي، الذي سنّه فقال:

في الأمر ما فيه من جدّ فلا تقفوا ... من واقع جزعًا أو طائرٍ طرِبَا

ضُمُّوا الجهود وخلوها منكرة ... لا تملأوا الشدق من تعريفها عجبا

أفي الوغى ورحى الهيجاء دائرة ... تحصون من مات أو تحصون ما سلبا

وآية تطبيقهم لهذا الدستور، أن الجيش الفرنسي يعجز عن قتل المحاربين الجزائريين، فيعمد إلى القرى العامرة بالمستضعفين من النساء والولدان والشيوخ، فيهدمها عليهم، فلا يكاد ينجو من الموت أحد منهم. ولا ينزعج الأحياء من هذه المناظر المذهلة، بل يفرّ من استطاع منهم إلى مجالات الثورة، مبشّرًا بما وقع، مخبرًا بما يهمّ من اتجاه العدوّ وحركاته.

أيها الإخوة الكرام:

إن إخوانكم ما ثاروا إلا بعد أن آمنوا بأن الموت المعجّل، ومعه الشهادة، أشرف من الموت البطيء يصحبه الذلّ والهوان. وأن الموت الشريف أكرم عند الله والناس من الحياة المهينة. وأن هذه الحالة إذا طالت أكثر مما طالت، بردت العزائم، وماتت الهمم العربية، والحمية الإسلامية. فهم حين يقاتلون الاستعمار، ويقتلون أهله، إنما يقاتلون معه هذه المعاني الخبيثة التي ابتلاهم بها وشرّها ضعف الأخلاق، وخور العزائم، وما كادوا يقتلون طائفة من عدوهم، وتقتل منهم طائفة، حتى تنَبّهت فيهم طبائع الآباء والأجداد، ودبّت فيهم الحمية التي نشرت دين الله في أرضه، وهانت عليهم الحياة الذميمة، في طلب الحياة الكريمة.

أيها الإخوة الكرام:

إن الشعب الجزائري قد جمع الفضائل من أطرافها، بهذه الثورة، فهو يجاهد منذ شبّت لظاها بالعزيزين النفس والمال، وهو مصمّم على هذه التضحية الثقيلة، إلى أن يفنى، أو

<<  <  ج: ص:  >  >>