للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عميق، ففي توقيت الوقت وتحديده بيوم استحضار إجماعي لبلايا الاستعمار في العصور المتعاقبة واستجماع للذكريات والأحاسيس التي تختلج في نفوس هذه الشعوب، وما منها إلا من اكتوى بنار الاستعمار، على تفاوت حظوظها من شرّه، وتفاوت أنصبتها من الشعور به. ومن أسرار هذا التوقيت أنه يكون ملتقى للعواطف، وحافزًا للهمم، ومثيرًا للعزائم، ومذكرًا بحقوق الجار على جاره والأخ على أخيه، وحقوق المشتركين في البلاء بعضهم على البعض، في هذا اليوم يتوافى نصف شعوب الأرض على داع مسمع من الحق يدعو إلى نجدة الجزائر في محنتها وإلى إعلان السخط على الاستعمار الفرنسي.

أما نحن معشر الجزائريين فنرى في إقامة هذا اليوم بهذه الصورة نصرًا معجّلًا لنا ونجاحًا موفّقًا لثورتنا، ومددًا من العناية الإلهية مهيّأ لنصرتنا وضربة قاصمة للاستعمار كنا نحن السبب فيها.

ونحن جازمون بأن الاستعمار الفرنسي المتداعي الأركان يرمي من هذا الإجماع بما يفسخ عقده ويوهن كيده ويجعله يؤمن بعد ذلك العناد والإصرار على الشرّ والفساد بأن قوى الشعوب من قوّة الله، وأن أنصاره وأعوانه لا يغنون عنه فتيلًا، فيا ويح العاملين في الظلام إذا تبلج الفجر في وجوههم، وويل لمستعبدي الشعوب من يقظة الشعوب، وويلهم إذا اجتمعت تلك الشعوب وتقاسمت بشرف الحرية لتنتقمنّ من المستعمرين ولتقضينّ على الاستعباد. ولله درّ شوقي إذ يقول:

صَوْتُ الشُّعُوبِ مِنَ الزَّئِيرِ مُجَمَّعاً ... فَإِذَا تَفَرَّقَ كَانَ بَعْضَ نُبَاحِ

أيها الإخوان:

إن هذه الدعاية الواسعة التي أحاطت بهذا اليوم ونبّهت عنه ودلّت عليه وأثمرت هذا اليوم العظيم، لتنويه بالثورة الجزائرية، وتعظيم لشأنها، وحسن ابتكار لوسائل النصر فيها، وأذان جهر من الحق، يسمع الصمّ عن هذه الثورة القاعدين الساكتين عن كلمة الحق فيها، وعن إيقاف فرنسا عند حدّ، وتوبيخ ضمني للحكومات والشعوب التي تمدّ هذا الغي وتقدّم لها العون على الشرّ والفساد، وسخرية حارّة بأولئك الشواذ الذين فسد ذوقهم الإنساني فولولوا وصاحوا وتظاهروا بالرحمة والإشفاق على كلبة فارقت الأرض وعوت منذرة لذلك الفريق المشفق بسوء المصير ثم ماتت، ولم يشفقوا على هذه الملايين المعذّبة في الأرض التي تموت بالآلاف في أرض الجزائر، إلا أن كل جنس يرحم جنسه ويشفق عليه، فهنيئًا لهم ما اختاروا وفي سبيل الكلاب ما صاحوا وولولوا وأرسلوا من عبرات.

أيها الإخوان:

من حسنات هذا اليوم وآثاره الجليلة أنه يجمع قلوب الشعوب الآسيوية والافريقية على ذكر الجزائر والجزائريين بأشرف ما يذكر به إنسان، فيذكرون أنواع البلاء التي يصبّها عليهم

<<  <  ج: ص:  >  >>