للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الاستعمار الفرنسي، ويذكرون أمثلة البطولة التي تتسم بها أعمالهم، ويذكرون الدماء التي تسيل والأرواح التي تزهق وكل الجرائم الوحشية التي يرتكبها الجيش الفرنسي باسم الحضارة الأوروبية، وفي أثناء العمل الذهني في هذه الذكريات ينكشف الحق عن مصاصه وهو إكبار المجاهدين الجزائريين وإجلال مقصدهم وغايتهم من هذه الثورة، وهو الحرية والاستقلال، واحتقار فرنسا وجيشها وحضارتها وعلمها الذي غرّت به العالم حينًا من الدهر، وفي هذا اليوم الذي نسب إلى الجزائر ستلتقي همم مئات الملايين من شعوب آسيا وإفريقيا على خاطر واحد في ساعة من نهار، وهو بغض الاستعمار والحنق عليه، ووجوب الإجهاز عليه والإجماع على زواله والراحة منه، واحتقار فرنسا التي افتضحت أمام العالم وانكشف ثوب الزور الذي كانت تلبسه، وهدمت بأعمالها الشنيعة المجرّدة من الإنسانية كل ما بنته لها دعايتها من محاسن، ولا يقصر هذا السخط على الحكومة الفرنسية وحدها بل يتجاوزها إلى الأمّة الفرنسية نفسها، لأنها متواطئة مع حكوماتها على إبادة الجزائريين بسكوتها على ما تفعله هي وجيشها، فلم يسمع العالم نأمة في استنكار تلك الأعمال التي تسوّد تاريخ فرنسا وتقضي على سمعتها.

أيها الإخوان:

هل أتاكم أن الجيش الفرنسي يأتي في الجزائر أنواعًا من الفظائع ينكرها حتى الشيطان من تقتيل جماعي؟ لا أشك أن أخبار هذه الفظائع وصلتكم ووصلتم من علمها إلى عين اليقين، وكيف لا تصلكم وأنتم منها قاب قوسين، ولو أن مستشرفًا أرهف السمع لسمع من مخارم الأطلس الأشمّ حيث يتطامن على حدود ليبيا، لسمع تكبير المجاهدين ممزوجًا بمعمعة النيران في منازلهم وفيها أولادهم والمستضعفون من ذويهم، ممزوجة بصراخ الاستغاثة من الأطفال والنساء والشيوخ حيث لا مغيث، ولرأى منظرًا يذهل النفوس ويدمي العيون ويذهب الرشد، فإذا رجع هذا المستشرف إلى رشده حكم بمبلغ تأثير الإنسانية في أفراد الجيش الفرنسي وقادته ومبلغ حظهم من هذه الحضارة التي تزعمها أمّتهم، وعلم بالمشاهدة أن ذلك الجيش الوحشي عجز عن قتل المجاهدين بما حشد من أسلحة فتّاكة فانقلب إلى هذه الأصناف العاجزة عن الدفاع من أطفال ونساء وشيوخ ليطفئ بقتلهم غيظه ويشفي بتعذيبهم صدره.

أيها الإخوان:

إن المفروض في الحضارة أنها تهذّب الأخلاق وتلطّف الحيوانية فتدنيها من الرحمة وتشيع الفضائل في النفوس، وإن الجندي هو أولى الناس بالتربية الفاضلة والأخلاق الحميدة. فما لهذا الجيش الذي لم تترك أمّته فضيلة إلا انتحلتها لنفسها، ولا حضارة للأقدمين إلا ادّعت أنها وارثتها بالفرض والتّعْصِيب، يفضح أمّته هذه الفضيحة الشنعاء ويعقّها هذا العقوق الأطلح ويسجّل عليها خزي التاريخ ولعنة الأجيال.

<<  <  ج: ص:  >  >>