للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضلال في هذه المسالك ما لم يكن لها دليل سماوي، وكذلك لبث البشر أحقابًا يتخبطون إلى أن أذن الله بفتح باب الوحي.

وشوقي يلمس في مناحيه الفكرية آراء ومنازع صوفية للقدماء ويكسوها حللًا شعرية تذهل بروعتها عن تعرف حقيقة رأيه ويغطي الافتتان بالصور الشعرية على التفكير في أصل الرأيين فضلًا عن الفروق والجوامع بينهما، ولشعر شوقي في بعض المواقف إشراق كإشراق البرق، يبهر فيخفي فيه ما يكاد يظهر.

يقول شوقي في حالة البشر قبل بعثة الأنبياء:

رَبِّ شقت العباد أزمانَ لاكُتْـ ... ـبٌ بها يُهتدى ولا أنبياءُ

ذهبوا في الهوى مذاهب شتّى ... جمعتها الحقيقة الزهراء

فإذا لقّبوا قوّيًا إلها ... فله بالقوى إليك انتهاء

وإذا آثروا جميلًا بِتَنْزِيـ ... ـهٍ فإن الجمال منك حباء

وإذا أنشأوا التماثيل غرًّا ... فإليك الرموز والإيماء

وإذا قدروا الكواكب أربا ... بًا فمنك السنا ومنك السناء

وإذا ألهوا النبات فمن آ ... ثار نعماك حسنه والنماء

وإذا يمّموا الجبال سجودًا ... فالمراد الجلالة الشماء

وإذا يُعبد الملوك فإن الـ ... ـملك فضل تحبو به من تشاء

وإذا تعبد البحار مع الأسماك ... والعاصفات والأنواء

وسباع السماء والأرض والأر ... حام والأمهات والآباء

لعلاك المذكرات عبيد ... خضع والمؤنّثات اماء

جمع الخلق والفضيلة سرّ ... شفّ عنه الحجاب فهو ضياء

ويقول:

ربّ هذي عقولنا في صباها ... نالها الخوف واستباها الرجاء

فعشقناك قبل أن تأتي الرُّسْـ ... ـل وقامت بحبك الأعضاء

ووصلنا السرى فلولا ظلام الـ ... ـجهل لم يخْطنا إليك اهتداء

وشوقي يحضّ أهل الأديان جميعًا على التسامح، ويشدّد النكير على من يتخذونها أداة للتنازع والاختلاف، ويقول إنها كلها لله، وإن لم تكن كلها من الله، وما دامت كلها لله فهي رحم جامعة. ومن البرّ بهذه الرحم والرعاية لهذا النسب أن لا نتعادى فيها، ونفس شوقي ينبوع متدفق بالرحمة والحنان قبل أن تكون ينبوعًا متدفّقًا بهذه الروائع من الحكمة والبيان، وإنه لأصدق صادق حين يقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>