للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلقت كأنني (عيسى)، حرام ... على قلبي الضغينة والشمات

وحين يقول:

ولا بِتُّ إلا كابن مريم مشفقا ... على حُسَّدي مستغفرًا لعداتي

ولإغراق شوقي في الدعوة إلى التسامح سبب آخر وهو أن الدعوة العثمانية التي هي ليلاه ومناط هواه، ومَعْقِد رجائه في إعزاز الإسلام كانت راعية للأديان الثلاثة، وتحت لوائها طوائف من اليهود والمسيحيين، فكان يخشى أن تتخذ منهم أوروبا ذريعة للتشويش على هذه الدولة الإسلامية، وكذلك كانت الحال في مصر، فكان يوجّه دعواته البليغة في أسلوبه الشعري المؤثّر للمسلمين والأقباط أن لا يتخذوا من اختلاف الدين سببًا للشقاق فيطمع الذين في قلوبهم مرض في توسيع شقة الخلاف.

يقول في مرثية بطرس غالي:

نُعلي تعاليم المسيح لأجلهم ... ويوقرون لأجلنا الإسلاما

الدين للديّان جلَّ جلاله ... لو شاء ربّك وحّد الأقواما

يا قوم بان الرشد فاقصوا ما جرى ... وخذوا الحقيقة وانبذوا الأوهاما

هذي ربوعكم وتلك ربوعنا ... متقابلين تعالج الأياما

هذي قبوركم وتلك قبورنا ... متجاورين جماجمًا وعظاما

فبحرمة الموتى وواجب حقهم ... عيشوا كما يقضي الجوار كراما

ويقول:

إنما نحن مسلمين وقبطا ... أمة وُحِّدَتْ على الأجيال

سبق النيل بالأبوّة فينا ... فهو أصل وآدم الجَدُّ تَالي

ويقول وهو من المبالغات التي لا تخلو من مؤاخذة:

جعلنا مصر ملّة ذي الجلال ... وآلفنا الصليب على الهلال

وأقبلنا كصف من عوال ... يَشُدُّ السمهري السمهريا

أما تمجيد الإسلام فلا نعرف شاعرًا عربيًّا قبل شوقي مجد الإسلام وجلا فضائله ومحاسنه كما مجّد وجلا شوقي، ولا نعرف شاعرًا بعد شرف الدين البوصيري دافع عن حقيقة الإسلام كما دافع شوقي، وإذا كان البوصيري نظم لامية الإسلام بعد لاميّتيْ العرب والعجم وقال في دين محمد وكتابه:

الله أكبر إن دين محمد ... وكتابه أقوى وأقوم قيلا

<<  <  ج: ص:  >  >>