للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأديب إنما يكون أديبًا بحق حين يكون أمين القلم صادق البيان ينقل إحساسه إلى قارئه في عمق وصدق، فلغة الأدب وحدها هي الترجمان الأمين لعواطف هذه الشعوب، واللسان المبين الذي يعرض خلجاتها، ويفصح عن آمالها وآلامها، والأديب لا يعرف الاقليمية ولا الحدود، ما دام صادقًا في التعبير عن حاجات قارئيه، نابعًا عن بيئتهم، تتمثّل فيه خصائصها الإنسانية، ولا تنكسر أمواجه عند خطوط الوهم الجغرافي، أو رسوم الحد السياسي. إنه كالنسيم يحمل العبير أينما سار، يصعد في ذروة الجبل وينثال إلى عمق الغور، وينساب على صفحات الوادي ...

إنه ينطلق أبدًا، ويسعد الناس بشذاه، ولا يبالون من أي روض نشر ولا أي سبيل عبر، ما داموا يعرفون في عطره أشذاء روضهم ويحسون في تياره فوران إحساسهم ويرون فيه أنفسهم جادين أو هازلين، ضاحكين أو واجمين، فنحن نسعد بالعمل الأدبي كما نحسد في أنفسنا من ارتبط به ارتباط المتمني بالأمل الحلو، أو ارتباط الحي بواقعه سعيدًا أو أليمًا، أو ارتباط المرء بماضيه وذكرياته.

من أجل ذلك نهتز له ونحسّ دبيب الإعجاب في أعماقنا بالأثر الأدبي الذي يصوّر لنا أملًا مرجوًّا، أو جانبًا من حاضرنا، أو صفحة من ماضينا وأمجادنا ومُثلنا، لأننا جزء من كل ذلك، أو كل ذلك جزء منا.

فالأدب هو خلاصة التجارب الإنسانية والثقافة البشرية خلال الأجيال، وهو رباط لا ينفك بين الناطقين بلغته والعارفين بلسانه ...

وقضية القومية العربية تستمد أقوى حججها من واقع الأدب العربي وسلطانه، ووحدة الأمّة العربية تتمثّل في وحدة هذا الأدب بصورة عملية ... وقضية القومية العربية ليست ميدان سلاح أو حرب، وإنما هي ميدان عقل وفكر، والأديب في ميدان الفكر كالقائد بين يدي المعركة يوجّهها بخبرته ويديرها بحكمته، ويقودها بمواهبه ومعرفته، إلى النصر المبين.

وعندي أن المواهب والإمكانيات المادية عنصران لازمان للنجاح، متلازمان في سبيل النصر، ونحن العرب في نهضتنا الحاضرة لا بدّ لنا من أن نهيّئ للمواهب ما ترتفع بأزره من إمكانيات مادية، وتحمي هذه القوى الدافعة الدافقة في كياننا من الخمود والنضوب.

ولقد عرفتم في تراثنا العربي من جاهلية التليد، وإسلامية الوضاء المشرق على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء ومن بعدهم ... عرفتم في كل ذلك دور الأدب بألوانه في توجيه الدولة وبناء المجتمع وتحديد الطابع المميّز له، وتثبيت المُثل التي يحتشد عليها أفراد المجتمع وفصائله ...

<<  <  ج: ص:  >  >>