للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن حماية حرية الأديب أن نتجه بالنقد وجهة موضوعية فنية، ونبعد به عن تلك المهاترات التي تتأذّى بها العيون والأسماع والقلوب والعقول، فالنقد تابع للإبداع، وليس الإبداع عبدًا للنقد.

وإن من حق الأديب أن نترك له الفرصة الملائمة ليجرّب ويجرّب، فالتجربة إن أثمرت كانت فتحًا جديدًا، وإلا فهي دربة وخبرة تصقل الموهبة، وتكشف حقائق الحياة.

ومن حق الأديب العربي أن نحميه من تميع الشخصية وتحلّل المقوّمات، فلكل أدب طابعه ولكل أمّة نهجها ومشكلاتها الخاصة وطبيعتها المعيّنة التي تملي حلولًا معيّنة، فلا بدّ من الرجوع إلى بيئتنا وماضينا وتراثنا ومقوّمات جنسيتنا وقوميتنا، قبل أن نحاول جديدًا ...

نستهدي كل أولئك، ونتعرّف الطريق من خلال تلك النظرات، حتى تجيء محاولاتنا بيئية واقعية، تتطلّبها ضرورة الحياة، وتستدعيها ظروف لها أصالة في مجتمعنا ووشائج بعروبتنا وماضينا.

وأحب أن أحذّر هنا من التقليد للتقليد، ومن التجديد للتجديد، فليس كل واقع صالحًا للبقاء، حتى نقلّده ونتمسّك به؟ وليس كل جديد له هدف، أو يحقق فائدة حتى نسعى إليه ونتهافت عليه.

فلتكن في طبيعتنا الإيجابية المبصرة تعرف ما لها وما عليها، وتعتز بالحقائق، وتنثني عن الأوهام. ويحلو لي أن ألمح إلى هدف استعماري خفي، ما زال حتى الآن ينهش في كياننا القومي الأدبي، وهو محاولة تمييع الشخصية العربية في الأدب بحركات تتسمّى بأسماء كثيرة، ومدلولها كلها واحد، وهدفها جميعها التشكيك في مقوّمات الأدب العربي ومحو خصائصه وهدم بنيانه من القواعد.

وكما أشرت في أول الحديث: إن الأدب العربي هو الرباط الذي لم تفلح السياسات الإقليمية المفرّقة في حلّ عروته، والذي يبقى على الدهور يجمع العروبة ويوحّد آلامها وآمالها ...

فإذا أفلح المستعمرون أو أذنابهم في تشكيكنا في أصالته وتحطيم خصائصه لم يعد لأدبنا هذه الذاتية القوية العارمة، وهذه الخاصية الجامعة التي يرهبها أعداؤنا، ويعملون على سحقها.

فيجب أن يظل أدبنا عربيًّا في أصوله وقواعده، لا شرقيًّا ولا غربيًّا ... يجب أن يظل أدبنا عربًّا يستمد شخصيته وأهدافه من حاجاتنا الواقعية لا المفتعلة ولا المزيّفة.

ولا بدّ من أن نذكر حماية حقوق الأديب في هذا المجال، فالأديب العربي لعله الوحيد في العالم الذي لا تكفل حقوق له، ولا يُحمى إنتاجه من استغلال المستغلين وسرقات المنتهبين ...

<<  <  ج: ص:  >  >>